لم يعد هناك خيار آخر أمام دول العالم غير عودة جميع القطاعات إلى العمل بحذر، فقد اهتزت الأرض بقوة تحت أقوى الاقتصادات العالمية، بسبب فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، وتعرضت الدول إلى خسائر فادحة، وباتت فاتورة الإغلاق أشد ألماً من فاتورة فتح النشاطات، رغم المخاطر المتوقعة في حال عدم التعامل مع الإجراءات الاحترازية التي وضعتها أجهزة الدولة بحزم وصلابة. ولعل غالبية دول العالم تنبهت إلى خطورة الموقف، وسارعت في "العودة الحذرة" للنشاطات وفق خطوات محسوبة، وهو ما فعلته أكثر دول العالم تعرضاً للخسائر مثل إيطاليا وإسبانيا وألمانيا، وشاهدنا تجارب مضيئة ومشجعة في الأيام الماضية، بعدما انخفضت نسبة الإصابات بشكل لافت في تلك الدول، وبدأ العالم بشكل عام يستعد للتعافي من الفيروس القاتل الذي عرض شتى أنحاء المعمورة لأكبر تحد في تاريخه الحديث. وقدمت السعودية خلال الشهور الثلاث الماضية، نموذجاً ناجحاً ومتوازناً في منطقة الشرق الأوسط، بل وعلى الصعيد العالمي، حيث تعاطت قيادتنا الرشيدة بشجاعة وشفافية وحزم مع انتشار فيروس كورونا، وفي حين قدمت حزمة كبيرة من المبادرات والمنح للمتضررين من تفشي المرض، برهن قطاعها الصحي على صلابته وقوته، بعدما شهدت أقل نسبة وفيات على صعيد المنطقة. لم يبق الكثير حتى تكتمل الصورة السعودية المبهرة في الداخل والخارج، فقد دخلنا المرحلة الثانية من خطة عودة الحياة، والتي تعتبر الاختبار القوي والحقيقي للوطن والمواطن، قبل العودة الكاملة في 21 يونيو الجاري، فنحن أمام تحدٍ مهم يثبت خلاله كل من يعيش على هذه الأرض الطاهرة أنه "مسؤول" وأن في عنقه "أمانة" يؤديها من خلال الوفاء بالتزماته، والتقيد بالأنظمة واللوائح التي وضعتها الدولة. المسؤولية لا تقع على الأشخاص والأفراد فقط، بل تشمل مؤسسات المجتمع المدني والشركات الصغيرة والكبيرة، لا بد أن تكون هناك منظومة عمل متكاملة، تعكس حضارة ورقي هذا الوطن، وتؤكد جدارته بأن يعيش حياة كريمة بعيداً عن الأوبئة، خصوصاً بعدما أنجزت حكومتنا الرشيدة كل الإجراءات المنوطة بها، وقدمت الغالي والنفيس من أجل المواطن والمقيم على أرضها.. بل إنها كانت الأكثر سخاءً وعطاءً من خلال أكبر قدر من المبادرات تجاوزت قيمتها الإجمالية "200" مليار ريال، ولم يعد أمامنا شيء آخر نقدمه.. سوى رد الجميل. لقد اجتزنا كل المراحل الصعبة بنجاح باهر، وبدأنا نستنشق هواءً نقياً بعد فترة طويلة من الحجر الصحي، ووصلنا إلى الاختيار الحقيقي الذي يحتاج إلى الالتزام بارتداء الكمامات وعدم التزاحم واستمرار التباعد الاجتماعي، لا أتصور أن أحداً لديه استعداد أن يعود إلى نقطة الصفر.