لا يستنزف الدول، ويعطّل تنميتها، ويقوّض جهودها وأمنها واستقرارها، مثل الصراعات، وتغليب صوت السلاح، ولغة الفُرقة والاختلاف، ونبذ لغة الحوار الهادئ الرصين، الذي يهدف إلى حفظ الممتلكات والمقدرات والأرواح وكل ما له علاقة بالنماء؛ نماء الإنسان والعقول، وتثمير خيرات البلاد، التي تصب جميعها في النهاية لمصلحة الأرض والإنسان. ولأن بعض الدول والجهات لا تنفك من استغلالها البشع للأزمات والقلاقل وتداعيات الفتن، التي تطال بعض الدول ممن فقدت استقرارها، ودبّت فيها أمراض وأدواء القلاقل والأطماع عبر التدخلات بشكل سافر ومباشر، أو حتى بطرق خفية مستترة؛ لكنها في النهاية لا تخرج عن نزعات شريرة طامعة في حوز مكاسب من خيرات ومقدرات تلك الدول، التي تشهد اضطرابًا وتفككًا مرعبًا. الوضع الليبي ما زال يصطرع تحت ويلات التدخلات السافرة ممن يقتاتون على الأزمات والفوضى، ويسعون إلى تقويض هذا القطر الشقيق، الذي بات مسرحًا لتهريب الأسلحة والتدخلات العسكرية السافرة والأطماع في خيراتها تحت ذرائع مختلفة؛ وهو ما يجعل الجهود العربية تواصل سعيها الحثيث في إعادة هذا البلد إلى حالة الاستقرار والهدوء، وبما يخدم ليبيا أرضًا وجغرافية وإنسانًا. حالة من الأمل تلوح في الأفق بعد المبادرة المصرية في سياق جهودها الهادفة إلى حل الأزمة الليبية، ودعوة الرئيس المصري إلى وقف إطلاق النار في ليبيا، والعودة إلى المسار السياسي على قاعدة المبادرات والقرارات الدولية ذات الصلة، بما في ذلك ما تم التوافق عليه في مؤتمري برلين وجنيف. الخطوة لقيت أصداء عربية، فقد أيدتها المملكة، ورأت فيها أهمية بالغة؛ إذ من شأنها دعم جهود تخفيض حدة الصراعات في المنطقة، والمحافظة على وحدة أراضي الدول العربية، وحمايتها من التدخلات الخارجية، وتغليب لغة الحوار بين الأشقاء على لغة السلاح، وحل الأزمات سياسيًا، وعدم جدوى محاولات الحل العسكري. فقد حثّت المملكة جميع الأطراف الليبية، وفي مقدمتها حكومة الوفاق والجيش الوطني الليبي على تغليب المصلحة الوطنية الليبية، والوقف الفوري لإطلاق النار، والبدء في مفاوضات سياسية عاجلة وشاملة برعاية الأممالمتحدة، وبما يكفل عودة الأمن والاستقرار إلى ليبيا، والمحافظة على وحدة وسلامة أراضيها وحمايتها من التدخلات الخارجية. يبقى على الإخوة الليبيين استثمار هذه المبادرة وتفعيلها بشكل يجنب ليبيا استمرارية حالة الفوضى، التي تشهدها، وتغليب صوت الحكمة على أي صوت، وعدم الالتفات إلى الأصوات النشاز، التي لا ترجو لليبيا خيرًا، ومن مصلحتها أن يستمر هذا الاصطخاب والاصطراع وجحيم اللا استقرار، الذي يجد فيه الطامعون والأشرار بيئة خصبة لغرس بذور فتنهم وأطماعهم وشرورهم، التي لن يئدها في مهدها سوى التكاتف والاتحاد والالتفاف لجميع الفرقاء، وقطع السبيل أمام كل طامع ومتربّص.