يمر بالإنسان في محيطه العائلي والاجتماعي والعملي شخصيات تجيد فن الكلام (الإرسال) ولا علاقة لها بالإنصات (الاستقبال). الحوار في هذه الحالة يكون حالة اتصال ناقصة لأنها من طرف واحد، ولأنها لا يتوفر لها من عناصر الاتصال سوى الإرسال فقط، حتى الرسالة ستكون مملة أو غير مفهومة لأنها نقطة في بحر من الثرثرة. هذا المرسل الذي لا يستقبل يعتقد أنه يمتلك كل المعرفة ويعرف الإجابة على كل الأسئلة وقد يجيب على السؤال قبل إكماله، ولديه وصفات لكل الأمراض، وحلول لكل المشكلات، وحتى لو سبقته إلى فكرة أو معلومة أو خبر – وهذه حالة نادرة – فلن يصادق على ما ذكرت ولكن سيقول لك: مثل ما قلت لك. في بيئة العمل، إذا عملت مع مدير من هذا النوع، فإن دورك سيكون الاستقبال فقط، الاتصال سيكون من أعلى إلى أسفل ويتضمن تعليمات وأوامر وملاحظات وربما قصصاً وطرائف وبطولات، لا تسأل ولا تستغرب ولا تقاطع، كن حالة من الإعجاب والدهشة. هذا المدير لن يستمع للشكاوى والمقترحات والآراء والمبادرات، سيقاطعك من أول كلمة تتفوه بها، إن اقتنصت فرصة لطرح سؤال –وهذا إنجاز عظيم - سيجيبك قبل أن تكمل السؤال. المعروف أن الاتصال الفعال يتوفر فيه الإنصات الجيد، وإثراء الأفكار، والتعاطف، والاحترام. هذه المهارات لا تتوفر إذا كان الاتصال ذا اتجاه واحد. ومن المعروف أيضاً أن من يمتلك مهارات الاتصال هو من يتحدث أقل ويستمع أكثر. في بعض الثقافات يكون المتحدث في كل الأحوال هو الأب والمعلم والمدير والأخ الأكبر ويكون المستمع الصامت هو الابن والتلميذ والموظف والأخ الصغير. هذا خلل تربوي لا ينمي الثقة بالنفس، ولا التدريب على الحوار، ولا الاستفادة من الأفكار والحلول الجيدة بصرف النظر عن مصدرها. الاتصال الفعال يكون ذا اتجاهين حتى لو كان بين عالم وطالب، والعالم أو المثقف هو الذي يجيد الانصات مثلما يجيد إيصال المعلومة، هو الذي يحترم الطرف المتلقي ليكون المنتج حواراً حضارياً يعطي مساحة من الحرية لطرح الأسئلة وتبادل الأفكار، وليس تحويل المتلقي إلى آلة تسجيل فقط.