يظن كثيرون أنّه ليس لنا حاجةٌ لمعرفة الآداب العالمية أو تعلم تاريخ الحضارة الغربية؛ لأنّ لدينا في حضارتنا الإسلامية التاريخ المملوء بالآداب الراقية والعلوم المتكاملة، وفيها ما يغني عن غيرها، حيث تتميز علومنا بجودة العرض وحسن الترتيب وكثرة المخزون الأدبي والمعرفي. لا يتوافق المخزون الغربي الأدبي ولا تنسجم الأعمال العالمية العلمية في جوانب مع بعض عناصر الثقافة الدينية لنا، لكنّ هذا لا يعد مانعاً من الاطلاع على هذه الأعمال أو ترجمتها؛ لأن عناصر التقدم المتناقضة أو المتعارضة مع ثقافتنا يمكن أن تعدل لتنسجم مع رؤيتنا وقيمنا واحتياجاتنا. ولكي تحيا الثقافة العربية وحضارتها فلا بد من انتشار اللغة العربية، ولن يكون إلا بكثرة استعمالها، وتعدد ثروتها المتنوعة من المعارف العالمية من خلال كثرة التراجم للأعمالِ العلمية، والأدبية مما يترتب عليه أن تكون لغتنا واسعة الاستعمال متنوعة الثقافة. أَجَل يجب ألا تتوقف العلوم التي تكتب باللغة العربية على علومنا، بل تتجاوزها إلى ثقافات الأمم الأخرى؛ بحيث لا تكون لغتنا مقصورة على قطر دون قطر، وسيلحظ الناظر للعلوم الحديثة فقر اللغة العربية فيها بخلاف غيرها، وهذا ما يمنع الوصول إلى عالميتها؛ لأن الدارسين من أبنائها يشعرون بالعجز أمام ما يستجد من مصطلحات وعلوم. إنّ الغرب يعتزون بكلّ ما ينقل إلى لغتهم من تراث غيرهم؛ كالعرب، إذ يعتبرون هذا النقل دليلاً على عالمية لغتهم، ونحن في أمس حاجةٍ إلى ترجمة ما وقف تحت أيدينا من تراث غيرنا، أو على الأقل نقل ثقافات وعادات الشعوب الأخرى، وكتابة الرحلات الأدبية، ويوميات الرحل. بات أمرُ ترجمة الأعمال العالمية من علومٍ وآدابٍ ضرورياً بحيث يسهم في ذلك أعلامه، وينقلون إلينا أشهر المصنفات العالمية في شتى الفنون، فمن خلال ترجمة هذه الأعمال تجمع لغتنا بين العالمية والاستمرارية، ولن نشعر بعجزها أو فقرها، وإنما سنشعر بأنها ذات ثروة مستمرة. لن يفرّ أبناء اللغة العربية إلى لغاتٍ أو ثقافات أخرى إذا توفرت لهم العلوم والثقافات العالمية بلغتهم العربية؛ لأنهم لن يرضوا عن العربية بديلاً.