عندما يحين الاختبار، يقولون: "يكرم المرء أو يهان"، وفي المملكة قادة زادهم المولى كرمًا ونجاحًا، فمع حلول أول أيام عيد الفطر المبارك، كانت الثقة هي عنوان خادم الحرمين، الملك سلمان، عندما غرد قائلًا: "نرى الأمل في قادم أيامنا، متحلين بالعزم والإيجابية؛ لنتجاوز كل بلاء"، وما هي إلا ساعات قليلة، وكانت بشائر الأمل تحيط بكل السعوديين، والمقيمين، بقرب انفراجة الأزمة والنجاح في الاختبار. وبثقة معتادة، وخطى شامخة، وقرارات علمية، ستعود الحياة إلى المملكة، بداية من الخميس 28 مايو، وبشكل تدريجي، وصولًا إلى الحياة الطبيعية بداية من 21 يونيو، لم تضع تلك الرؤى والخطط هباء، أو تركت للآمال والنوايا، وهو ما تظهرها دقة المواعيد المتسلسلة، والإجراءات المقررة، في إشارة واضحة إلى أن من يقود يعلم كيف يقود، ومتى يقرر. ستعود الحياة تدريجيًّا، حتى تصل إلى ما قبل ظهور فيروس كورونا، ولكن هل نريدها حياة طبيعية كما كانت، أم "حياة جديدة"، ننحي فيها أخطاءنا، ونصنع من تلك الأزمة بابًا جديدًا، نثبت فيه لأنفسنا أولًا أن الأزمات ما هي إلا بداية لإنجازات أعظم وأكبر، ونترك سلبياتنا خلفنا، ونتسلح بإيجابيات تلك الجائحة. لا يوجد أحد لا يريد العودة إلى ما قبل كورونا، ولكن رغمًا عنا جاء الاختبار، وسينتهي بمشيئة الله، بفضل مجهودات قادتنا الملك سلمان، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ورجال الصحة الأوفياء، وحكوماتنا الرشيدة، ووعي هذا المجتمع، الذي استبشر خيرًا بأن مستقبله سيكون واعدًا، وأكثر تقدمًا. هل سألت نفسك في ظل تلك الأزمة: ماذا ستفعل لو عاد بنا الزمن لما قبل كورونا؟.. تلك الأمنية عايشها الكثير في ظل تفشي هذا الوباء، وتتساءل هل حينها سنكون أكثر استعدادًا لمواجهة الأزمات؟ هل سنعلم قيمة ما نهدره من وقت وغذاء وأموال؟ هل كنا سنحافظ على التغذية الصحيحة؟ هل ستكون عاداتنا الصحية سليمة؟، وغيرها من عادات. بالطبع لم يكن فيروس كورونا، ضيفًا مرحبًا به، لكنه في الوقت نفسه، وضع يده على نقاط الضعف التي يحملها كل منا، وأيقظ كذلك حرصنا على المجتمع بشكل عام، وليس الشخصي فقط، أثبت أن الفرد بدون جماعة لن يستطيع الصمود، وأن الوطن ليس له بديل، وبدون قادة أوفياء لن تعيش في أمان. ليس ذلك فقط، بل لامس فيروس كورونا، عاداتنا السيئة، بداية من إهمال صحتنا، مرورًا ب"الهدر الغذائي"، وعدم الالتزام بالقوانين وتوجيهات القادة.. لذلك نريدها "حياة جديدة"، ليست طبيعية فقط. ومع ظهور أزمة كورونا، وفي ظل وضعية الحجر المنزلي، وتوقف الحركة بين دول العالم، كانت أولويات المجتمع، هو البحث عن الغذاء والدواء، لن تجدي الأموال في شيء، بدأ الجميع ينظر إلى المخزون الاستراتيجي للدولة، الذي لم يكن من قبل في حسبان المواطن، لكنه كالعادة كان من أولويات المملكة تحسبًا لأي أزمات، وهو ما ظهر جليًا في توفير جميع السلع. ولكن بالتأكيد وضعت المملكة يديها على بعض القصور، لعل أبرزها الهدر الغذائي، وهو ما صادف أن يكون عنوان ملتقى "أكسس الاقتصادي"، الذي نظم في منتصف رمضان المنتهي، تحت عنوان "أثر الصناعة الوطنية على الأمن الغذائي". وخلال الملتقى، كشف الخبراء والمختصون المشاركون، عن أرقام صادمة، تستطيع أن تطلق عليها "عادات صادمة"، من بينها أن حجم الهدر الغذائي والفقد في المملكة يمثل 18.9% (ما يعادل 40.5 مليار ريال لجميع السلع)، من حجم الإنفاق الاستهلاكي، البالغ 219.027 مليار ريال شاملاً الإنفاق على التبغ والدخان. وترشيدًا لتلك الأموال المهدرة، سيتم تنظيم حملات توعوية وتثقيفية لتخفيض حجم الهدر والفقد بمعدل 50% بحلول عام 2030، بمعدل يتراوح بين 2-3% سنوياً، حيث ستكون ثقافة وتوعية المستهلك خط الحماية الأول ضد الهدر الغذائي، والتصدي لأي أزمات. لذلك، عندما تعود الحياة لطبيعتها بعد زوال غمة كورونا قريبًا، يجب أن تكون مرتدية زيًا جديدًا، وأن تكون عاداتنا الإيجابية هي ردًا لعيدية خادم الحرمين، الذي عيّد على شعبه في عيد الفطر، بقرارات باعثة للأمل والثقة في الغد.