"لا شيء يحدث صدفة، كل شيء مدبر مسبقاً لهدف معين"، كلام يطلقه معتنقو نظرية المؤامرة، التي تنتعش إثر كل حدث لافت، لاسيما إذا صار محطّ أنظار العالم، فمنذ الأيام الأولى لكارثة يوهان الصينية، خرج معتنقو نظرية المؤامرة بوابل من الأخبار والأرقام والفيديوهات التي تؤكد زعمهم بأن الأمر دُبّر لغرض معين، مرة من طرف الصين التي نشرت هذا الوباء لتدمّر اقتصاد الولاياتالمتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، وتستولي بمفردها على السوق العالمية، ومرة من قبل الأميركان، فهي التي أشرفت على صنع هذا الفيروس في رأيهم، ثم نشره في بعض المدن الصينية في نطاق حربها على منافسيها من القوى العظمى. وذهب البعض إلى القول إنها خطة تشترك فيها الدول الكبرى للتخلص من الأعداد الهائلة من البشرية والاستئثار بثرواته، خصوصاً تلك الشعوب التي تتكاثر دون إنتاج، وتبحث عن خلاص لوضعها في الإعانات والهجرة. الدكتور خالد الدوس - وهو المتخصص في القضايا الاجتماعية والأسرية - يؤكد أن الإشاعات تزداد ظهوراً وقت الكوارث والأزمات ويقول: "لا شك أن الإشاعة ظاهرة نفسية اجتماعية قديمة، وليست وليدة اليوم.. وقد تطورت هذه الآفة المجتمعية مع شدة رياح التحولات الاجتماعية والتحديات الثقافية وظهور شبكات التواصل الاجتماعية الحديثة التي سهلت نقل هذه البضاعة الرخيصة وانتشار فيروساتها مع الحملات العسكرية والأزمات الصحية والكوارث والأوبئة، ولخطورة الشائعات على البناء الاجتماعي ومكوناته، حظيت باهتمام كبير من العلماء والباحثين في العلوم الاجتماعية الذين أكدوا أن الشائعات تنتشر أكثر في وقت الأزمات والكوارث والحروب وانتشار الأوبئة والأمراض في العالم، وحين يكون هناك تعتيم إعلامي، أو غموض اجتماعي، كونها من أخطر الحروب المعنوية والنفسية التي تنمو في ظل أجواء مشحونة بعوامل متعددة، وتشكل البيئة الخصبة لسريانها وتحقيق أهداف مطلقيها ومروجيها، بقصد تضليل الرأي العام وإثارة الفتنة والخوف والقلق الاجتماعي، وتفكيك وحدة الصف المجتمعي، وخلخلة توازن الروح المعنوية، وبخاصة فيما يتعلق في انتشار الأوبئة والأمراض مثل ما يشهده العالم اليوم من انتشار مرض فيروس كورونا الجديد الذي أصبح وباء عالمياً قذف الرعب في قلوب منظمة الصحة العالمية. الدوس: واجب الإعلام نقل الحقائق الدامغة والشفافية والموضوعية والنهوض بالوعي المجتمعي ويتابع الدوس: الأكيد أن انتشار فيروس كورونا عالمياً رافقته مجموعة من نظريات المؤامرة، وأخذ المولّعون بهذه النظرية ينسجون القصص الخيالية والحكايات البوليسية ويربطون ما بين الأحداث السياسية والاقتصادية فهناك من يدّعي أنها الحرب الجرثومية وأن الفيروس (كوفيد 19) ما هو إلا نتاج صناعة بيولوجية وتم إطلاقه لتدمير الاقتصاد الصيني الذي ينافس الاقتصاد الأميركي، وهناك معتنقو نظرية المؤامرة) وأصحابها من يلتقط خيط الحديث ويؤكد أنهم تجار الشركات الدوائية ومصانع اللقاحات الذين يحاولون كسب المال وزيادة أرباحهم بالمليارات من أموال المجتمعات التي تعاني من انتشار هذا الوباء عبر خلق حالة من القلق والرعب والخوف بواسطة وسائل إعلامهم المسيطرة على أنظمة تلك الدول الغربية، وهناك من ينشر معلومات كاذبة، وبيانات باطلة وأرقاماً مضللة عن هذه الجائحة لإثارة الرعب والهلع عند الناس، وعندما تسألهم كيف عرفتم ذلك يقولون المنطق يقول ذلك. أو مصدر معلوماتهم (وكالة يقولون).!! ويضيف الدوس: للأسف ادعاءات باطلة وتخمينات تفتقد للدليل والمصداقية والحجج العلمية، ومعها اتسعت دائرة الموّلعون بنظرية المؤامرة الذين ينطلقون من ثقافة (القيل والقال) وبث الشائعات من قبل البعض، خاصة مع كثرة وسائل التواصل الاجتماعي التي تعد أرضاً خصبة وبيئة ملائمة لرواج الشائعات ونقل الأخبار الكاذبة وتمرير المعلومات المغلوطة التي تزيد من حالات الخوف النفسي والقلق الاجتماعي والرعب بالذات كل ما يتعلق بهذه الجائحة وآثارها، ويلجؤون إليها مع الأسف بقصد سيئ أو بحسن نية بحثاً عن زيادة المتابعين في المواقع الإلكترونية، وهي لا تنطلي على أصحاب الفكر والعلم والوعي المجتمعي بل يعتنقها ويصدقها العامة من الناس لأسباب متعددة، ومعروف أن هذه الحرب القذرة (الإشاعة) التي يصدرها معتنقو نظرية المؤامرة تستهدف العقل والفكر والخيال والوجدان، بوصفها مرضاً خطيراً وظاهرة فتاكة تدّمر المجتمعات وتهدد شعوبها بالذات مع انتشارها واتساع نطاقها، ولذلك فإن المؤامرة الحقيقية هي أن الشائعات أخطر بكثير من جائحة كورونا التي تتمحور حولها، والتحليلات غير المنطقية لهذا الفيروس وربطها بأمور لا أساس لها من الصحة؛ كونها تحد من الجهود الاحترازية والإجراءات الوقائية التي تتخذها الجهات المعنية في وطننا الغالي من أجل أمننا الصحي المجتمعي، وهنا يتجلى دور وسائل الإعلام الحديثة والتقليدية في نشر الأخبار الصحيحة، ونقل الحقائق الدامغة وبخاصة وقت الأزمات والحروب والأوبئة، والتصدي لكل شائعة لدحضها وضبطها، برفع سقف الشفافية والموضوعية، والنهوض بقالب الوعي المجتمعي.