نصت أهداف رؤية المملكة 2030 على تعزيز القيم الإسلامية والهوية الوطنية وأوردت الرؤية - لتحقيق تلك الأهداف - دعائم أساسية لهذه القيم، وبلا شك إن وجود المسجد والعناية به أحد دعائمها وليس هذا مستغرباً بل إنه وعلى مدار التاريخ فالمسجد دور أساسي في تشكيل الشخصية وخدمة المجتمع. كما نصت رؤية المملكة 2030 على تخصيص عدد من القطاعات الحكومية وذلك لما لهذا التخصيص من دور إيجابي وأهمية بالغة لزيادة مساهمة القطاع الخاص في إجمالي الناتج المحلي. وحيث إن عمارة المساجد فضيلة يتمناها كل مسلم وممدوحة يسعى إليها كل مؤمن ولا غرو في ذلك فهي علامة من علامات الإيمان (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر). وهي طريق إلى الوصول إلى الجنة «من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة». ومع توسع الحياة وتشعبها فإن أمر العمارة يحتاج إلى عناية خاصة واهتمام بالغ. وكانت عمارة المساجد من أولويات الدولة ولا تزال وحظيت بالاهتمام والرعاية من ملوك المملكة منذ تأسيسها، فأقامت الدولة عدداً من الإدارات والهيئات المعنية بشؤون المساجد حتى تشكلت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في العام 1414ه فاستمرت بالاهتمام والرعاية بهذا العمل العظيم «تغير مسمى هذه الوزارة إلى وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد» بعد الإعلان عن تأسيس الهيئة العامة للأوقاف في العام 1438ه. ومما قامت به الوزارة أنها فتحت المجال للمتبرعين من المواطنين لبناء المساجد وعمارتها من خلال ما وضعت من أطر وما حددته من تشريعات وما رسمته من أنظمة. وكان للتكاتف المميز مع المواطنين الراغبين في عمارة المساجد وتأييد الوزارة الواضح دور بارز في بناء مساجد جديدة وخاصة في الأحياء الجديدة والتي عمت كافة المدن في المملكة. حتى فاق عددها 100 ألف مسجد.. حسب إحصاءات الوزارة المعلنة.. وأمر طبيعي أن يكون عدد المساجد التي بناها المواطنون المتبرعون أكثر من التي بنتها الوزارة ذلك أن هذا باب من أبواب الخير يسارع إليه من لديه تبرع أو وصية أو بر بأحد والديه. ومن جانب آخر، فإن البناء يتطلب ميزانيات ضخمة يمكن توجيهها إلى عمليات الإدارة والصيانة والتشغيل أو الترميم للمساجد القائمة.. وبدراسة دقيقة للأنظمة والتشريعات التي رسمتها الوزارة للمواطنين الراغبين في عمارة المساجد نجد ما يلي: 1) يتقدم المواطن المتبرع لدى فروع الوزارة للحصول على الأرض لبناء مسجد. 2) في حالة وجود أرض تكون مخصصة لمسجد يطالب المتبرع بتوفير ضمان مالي أو إثبات القدرة المالية لبناء المسجد وتوفير مخطط البناء. ومع اتساع المملكة وتعدد مناطقها وكثرة الراغبين من المواطنين في عمارة المساجد، إضافة إلى تعدد مسؤوليات الوزارة من عناية ومتابعة الأئمة والخطباء والقائمين على شؤون المساجد وتولي عمليات التشغيل والصيانة والنظافة للمساجد القائمة والعناية بحلقات تحفيظ القرآن الكريم وطباعة المصحف الشريف له، بالإضافة إلى القيام بواجبات الدعوة إلى الإسلام في الداخل والخارج. مما يتطلب الأمر وجود هيئة مستقلة مالياً وإدارياً لتتولى عمارة المساجد وبنائها.. خصوصاً ما أثبتته التجربة من الواقع الذي نعيشه وما حققته رؤية المملكة 2030 أن وجود هيئات متخصصة تتولى أعمالاً محددة كان لها دور إيجابي في تقدم الأعمال التي كانت تنفذها الوزارات، بالإضافة أن هذه الهيئات قد أعطت مع إمكانية مساهمة القطاع الخاص فيه مما يعني نجاحاً وتميزاً في الإنتاجية. إنه وبناء على ذلك فربما أن إسناد (مهام عمارة المساجد وبنائها) إلى هيئة عامة متخصصة على غرار الهيئة العامة للنقل والهيئة العامة للغذاء والدواء وهيئة المهندسين والهيئة العامة للأوقاف وغيرها تتعاون هذه الهيئة المقترحة مع الراغبين في بناء المساجد حسب قدراتهم المادية وتقدم لهم خدمات العمارة المتمثلة بعمل المخططات والتصاميم ومراجعتها واستخراج الفسوحات والأذونات المطلوبة وتكون هذه الهيئة الضامنة بأن يبنى المسجد وبشكل دقيق على مستوى مميز. وسوف توفر هذه الهيئة - في حالة إنشائها - تحقيق رغبات طلبات المتبرعين حسبما يبذلونه من تبرع وتشرف وبشكل مباشر على الراغبين بالبناء بأنفسهم أو من خلال شركاتهم. وبكل تأكيد سوف تكون هذه الهيئة في حال الموافقة على إنشائها خير معين للراغبين في المشاركة أو المساهمة في بناء المساجد ولا يجدون تكلفة البناء كاملة. كما سوف تحد من ظاهرة الجمع العشوائي للتبرعات والذي يمارسه البعض في حالة حصولهم على الأرض ثم عدم استطاعتهم البناء، وفي نفس الوقت سوف تقضي على إشكالية احتجاز الأرض بحجة العمارة كما ستقضي على تحايل بعض المقاولين الذين يبدون رغبة في البناء بستار أنهم متبرعون وإنما هم مقاولون يمارسون الجمع العشوائي للتبرعات الذي يؤثر بشكل سلبي كبير على العمل الخيري بصورة عامة وعمارة المساجد بصورة خاصة. والأهم من ذلك أن هذه الهيئة سوف تعمل بمهنية هندسية يتحقق من خلالها جودة البناء وتطبيق المعايير الهندسية المعتبرة في التنفيذ بإمكانات عالية في الأداء والجودة. * مستشار سابق لوزارة الشؤون الإسلامية