من مواصفات العالم الجديد التعليم عن بعد وتطور تقنية التعليم والبحث العلمي الكوني، أي أنه ليس بالضرورة أن تكون هناك فصول دراسية أو مختبرات علمية في مكان محدد، بل يمكن أن تكون فصول ومختبرات افتراضية يعمل فيها ويديرها مجتمع كوني غير محدد الهوية.. تذكر مجلة "فوربز" أن العالم سيتغير لا محالة بعد جائحة كورونا، وتبشر بولادة نظام عالمي جديد، لكن لفت نظري ضمن العشر مبررات التي أوردتها المجلة التي ستؤدي إلى ظهور هذا النظام مسألتين، الأولى تتركز في تحول الصناعة إلى الأتمتة الكاملة وبالتالي الاستغناء عن العنصر البشري بشكل كامل، فإذا ما حدث في المستقبل أي وباء لا يؤثر على حركة الاقتصاد. وتؤكد المجلة في هذا الخصوص أن البحث العلمي سوف يتجه بشكل كبير إلى تطوير اتمتة الإنتاج والتحكم في الآلات عن بعد دون الحاجة لوجود البشر في المصانع. وبالطبع فإن هذا سينتج عنه خسارة مئات الآلاف من الوظائف الحالية التي تحتاج لأن نفكر في بدائل عاجلة لها. المسألة الثانية، وهي مرتبطة بالمسألة الأولى، وهي زيادة الثقافة في التقنية على حساب الكثير من أنماط العمل التقليدية وخصوصاً العمل من البيت، مما يعني تقلصاً كبيراً لمساحات العمل المكانية وتخفيف لحركة المرور داخل المدينة ولكن في نفس الوقت يستدعى العزلة الاجتماعية التي قد يكون لها عواقب وخيمة في المستقبل. من مواصفات العالم الجديد التعليم عن بعد وتطور تقنية التعليم والبحث العلمي الكوني، أي أنه ليس بالضرورة أن تكون هناك فصول دراسية أو مختبرات علمية في مكان محدد، بل يمكن أن تكون فصول ومختبرات افتراضية يعمل فيها ويديرها مجتمع كوني غير محدد الهوية، ورغم أن هذه الصورة تذكرنا بأفلام حرب الفضاء، إلا أنها باتت قريبة جداً من التحقق. حتى رجال الأعمال، لم يعد هناك حاجة لهم للسفر المتعدد لعقد الاجتماعات وعقد الصفقات، بل سيكون كذلك من الممكن أن نزور المعارض والمصانع افتراضياً وأن نختار ما نريد دون أن نجشم أنفسانا عناء السفر. سيقود هذا إلى تقليل الحاجة إلى الطاقة الأحفورية ويعزز من اقتصاديات الطاقة النظيفة. ينتقد مجموعة من الزملاء حالة البحث العلمي لدينا، المغيبة عن أي فعل واقعي ومباشر يتعامل مع الأزمات، ويقولون أننا نواجه تحديات كبيرة في ظل غياب كامل لأي ردة فعل علمية تجاه ما يحدث حولنا، فحتى ونحن نعيش هذه الجائحة التي أوقفت العالم تقريباً، لا يوجد لدينا بوادر حقيقية للتحول إلى مواجهة الأزمات بعزيمة الباحث بل بسلوك المستهلك المنتظر لمن يقدم له الحلول على طبق من ذهب، فهو لا يريد أن يشغل ذهنه طالما أن هناك من هو منشغل بدلاً عنه لحل الأزمة. مشكلة الزملاء أنه يرون أن هذا السلوك سوف يحيلنا إلى هوامش ليس لها ذكر أو وزن في نظام عالم ما بعد كورونا، وبدلاً من أن نستغل الفرصة كي نصحح الوضع السابق ونستفيد من التشكيل الجديد للعالم نصر على البقاء خارج التأثير، بل خارج الحضارة المعاصرة كلياً. أرسل لي زميل قبل عدة أيام يقول أن أحد طلابه الذي انتقل إلى إحدى جامعات الولاياتالمتحدة مؤخراً سأله عن دور مجتمعات وجامعات الدول العربية في البحث العلمي، قال لي إنني محرج من هذا السؤال، فماذا أرد عليه؟ قلت له ببساطة قل له: لا شيء، ولن سيكون هناك شيء في المستقبل المنظور. هذا الجواب ليس علامة يأس وقنوط بل هو تشخيص لواقع يجب أن يكون واضحا للجميع، فالعلاج يفترض أن يكون ناجعا مع التشخيص السليم، طبعاً إذا كانت الدول العربية تبحث عن علاج، وتريد أن يكون لها دور في المستقبل البعيد. فإذا لم تغيرنا هذه الجائحة، فلن نتغير أبداً في المستقبل المنظور. والأمر هنا لا يتوقف على البحث العلمي والتصنيع لأنه مرتبط "بهمة المجتمعات" ورغبتها في التغيير، هذا لا يمكن خلقه وصناعته إذا لم يكن موجوداً. لن نشكل رقماً مهماً في النظام العالمي الجديد كما لم نشكل أي رقم في النظام الحالي، لأن التأثير الحضاري يتطلب وجود منظومة مفكرة قادرة على الإنتاج والتأثير، ويبدو أننا نفتقر إلى وجود مثل هذه المنظومات التي تعيننا على المساهمة في الحضارة الإنسانية المعاصرة. اقتصاد العالم بعد كورنا لن يقوم على وجود الموارد الطبيعية فقط بل سيركز على التقنية الفائقة التطور التي لم نبدأ أول خطواتها فماذا نحن فاعلون.