أدى تفشي فايروس كورونا بالعالم إلى الانتقال السريع بالتعليم لعالم آخر والتحول الرقمي إكمالًا للعام الدراسي في ظل هذه الأزمة. ولم يكن هذا الانتقال سهلًا على الطلاب أو المعلمين، فالتحول من الواقع إلى العالم الافتراضي فجأة أمر ليس بالهين، لما يتطلبه هذا الانتقال من توفر إمكانات كأجهزة حاسوب جيدة وشبكة انترنت سريعة، وامتلاك مهارات في التعامل والتفاعل مع البرامج والمنصات التعليمية، من قِبل الطالب والأستاذ. سيتمكن الطالب والأستاذ من رفع مستوى المهارة في استخدام البرامج والمنصات التعليمية الالكترونية (البلاك بورد) أثناء التعامل معها، لكن المهمة الصعبة ستقع على عاتق الأستاذ في تواصله مع الطلاب من خلال البلاك بورد! فالتفاعل مع الطالب خلال المحاضرة يتم بالتواصل اللفظي وغير اللفظي من خلال لغة الجسد التي تساعد الأستاذ على جذب انتباه الطالب، وحثه على الاستمرارية والتواصل طوال مدة الدرس، فالمواجهة بين الطالب والأستاذ والتواصل البصري يجعل من الارتباط والتركيز في الدرس على مستوى عالٍ، فيسهل إيصال المعلومات، والتأكد من تحقيقها الفهم المطلوب من خلال التغذية الراجعة التي سترتسم على وجوه الطلاب. لكن ما سيواجهه الأساتذة في التعليم من خلال البلاك بورد أمر مختلف تمامًا؛ إذ سيكون الاعتماد على المهارة اللفظية وما يتصل بالصوت من مؤثرات كنبرة الصوت، وحدّتها، ودرجة ارتفاع الصوت و انخفاضه، وهي تُؤثر بما يقارب 38 % من عملية الاتصال. ستبرز هنا براعة الأستاذ ومهارته في تقديم المادة العلمية وإيصالها للطلاب بالمستوى المطلوب، وجذب أذهانهم إليه رغم تجرده من كثير من مهارات لغة الجسد التي كان لها تأثير في تنظيم سير الدرس بنسبة 55 % تقريبًا، فالاسترسال بالحديث والانطلاق بالتحدث والشرح يحتاج إلى تغذية راجعة من المستمع لاستمرارية الكلام، وإلم يجد المتحدث استقبالًا من المستمع فلن يشعر بالراحة ولن يستمتع في مواصلة الحديث. بالإضافة إلى أن تقديم الدروس عبر البلاك بورد يتفلت فيه زمام السيطرة على جو القاعة الذي كان يجبر الطالب على الانتباه والتركيز مع الدرس؛ إذ سيكون الطالب هو فقط المسيطر على الانتباه والتركيز، مما يعني تفاوت الطلاب في ذلك لتفاوت اهتمامهم بالدرس. إن مهارة التحدث وجذب انتباه السامع والسيطرة على دفة الحديث مهارة ليست بالسهلة، ولا يملكها جميع البشر، وهذا أمر نراه ونعايشه في حياتنا اليومية أيضًا، لكنها مهارة يمكن اكتسابها وتطويرها متى أراد الشخص أن يتحلى بها، وأن تكون جزءًا من تكوين شخصيته، وأسلوبًا تواصليًا يميزه عن غيره، من خلال تعلم أسسها وتنمية مهاراته بها، والتدرب عليها، فهي مهارة لا يحتاجها الأستاذ فقط بل يحتاجها الجميع من أجل تواصل إيجابي ناجح.