الحافلات لاتزال تجري فارغة مثل نمل أخضر عملاق، قطار الأنفاق ربما لا يقل خواءً، مغامرةٌ هبوطه للاستقصاء، لكنه بلا شك شريان الحياة التي يواظب على إدارة عجلاتها هؤلاء المنسيون من العاملين في السوبر ماركت، وعمال تنظيف المدينة بالإضافة للعاملين بالمستشفيات على اختلاف فئاتهم من الأخصائيين لعمال التنظيف. حياة تجري في عروق المدينة لا نشعر بها بينما تتيسر لنا الحياة كما بفعل سحر، هو سحر هؤلاء الذين لا يخطرون لنا على بال، إذ وببساطة لاتتجاوز مطابخنا هل فكرنا حين نكدّس فضلات طعامنا من يجعل تلك الفضلات تختفي فلا تزعج أبصارنا والأنوف؟ هل نقف للحظة لنفكر بتسهيل مهمة هؤلاء العاملين كالنمل يخلصوننا من بقايانا؟ هل نتوقف لنبعث لهم بصلاة ودعوة بين حين وحين؟ تغيب من عنايتنا شرائح عديدة ممن يجاوروننا في هذا الكوكب ويديرون عجلاته السرية. إذ لأي عمق يمسك أن تتظاهر نسوة العالم الثالث متوسلات "أطلقونا لنموت بالكورونا بدل أن تحجرون علينا مع الجوع ينهش صغارنا على صدورنا"، حيث يتنبأ الخبراء بأن نتائج الحجر الاقتصادية ستتسبب في وفاة 130 مليون إنسان بالجوع بنهاية عام 2020، نفزع لوفاة بضعة آلاف بالكورونا بينما نحفر قبراً جماعياً ل130 مليون بشري، موازنة توصل لها البشر بعبقرية. قبل الكورونا لم يكن لدى العالم ما يتصدق به لإطعام الجياع, والآن تصب المليارات لتوفير مواد الحماية كالكمامات والقفازات والأرواب الحامية أكداس تُعْدَم يومياً.. ملايين اليوروهات تعدم يومياً. "ما لا يذهب للزكاة يذهب للحريق!"، حكمة تعلمناها صغاراً. لماذا لا نكف عن متابعة الأخبار التي لاتقل فتكاً عن الكورونا، لا نملك إلا أن نتورط لنقع في اكتئاب، حيث الحجر يعطل توريد القمح للدول الأفريقية بسبب الاحتياطات ضد الكورونا، الأرز والقمح عصب الحياة يتوقف صبه لأفواه الجياع، الدول التي لا يزيد مرتب الفرد الشهري فيها عن دولارين، والدخل يأتي يوماً بيوم، كل يوم من الحَجْر جوع يطحن. تقذف بالجريدة لتقع بالصدفة على تلك البعوضة التي فاقت الكورونا في الخبث، وتجسدت من لا شيء متسللة لحجرة نومك لترتع لحجرة جلوسك، هذه البعوضة التافهة تريد أن تموت بفضيحة بقعة الدم التي تبرطش على بياض رخامك.. هو دمك الذي شربته بتلذذ وطنين طوال الليل. تستغفر إزهاق روح بعوضة بينما تقتل لا مبالاتك الملايين من الأحياء من نبات، وحيوان وطير مروراً لملايين المنكوبين من البشر. هذا الدم الرمزي للبعوضة هو دمك، تقتل حتى ولو بعوضة فتهدر دمك أنت، هذه المعادلة التي نغفل عنها كبشر، أننا لسنا بمعصم عنا نفعله لكوكب الأرض.