مع مطلع شهر مايو وبدء العمل الفعلي باتفاقية خفض الإنتاج النفطي للدول المنتجة من منظمة أوبك والدول المنضمة من خارج المنظمة شهدت أسعار النفط تحسنا سعريا ملحوظا. الثقة تبدو عالية في أن الاتفاقية تأخذ حيز التنفيذ بشكل واسع من أطراف متعددة، هذه الثقة تعتبر عاملا إيجابيا في تحسن أسعار النفط إلا أن ثمة ظروف أخرى تدعم أسعار النفط ليس من الجانب المعنوي بل أيضا من الجانب المالي والأسواق المادية للنفط. الفترة التي سبقت بدء العمل بالاتفاقية شهدت تكدسا وامتلاء واسعا في مخزونات النفط التجارية، هذا التكدس كان دافعا للكثير من المنتجين بخفض وتيرة الإنتاج والبعض اتجه إلى وقف فعلي للإنتاج، إغلاق أو خفض إنتاج النفط من الحقول يعتبر عملية هندسية وجيولوجية وتشغيلية مركبة وليس كما يتخيل البعض بأنه قرار يتعلق بضغطة زر فهو يتطلب تكاليف عالية عند الخفض تماما كما يتطلب رفع الإنتاج مزيدا من التكاليف. ارتبطت تلك الفترة أيضا بظروف تشديد المنع التجول في معظم دول العالم، وهو ما أدى الى انخفاض كبير على الطلب وشبه توقف للاقتصاد العالمي والأنشطة الاستهلاكية المرتبطة بقطاعات النقل والخدمات والتصنيع. في تلك الفترة تغيرت بنيوية العرض والطلب من الجهتين تماما كما تغيرت البيئة المالية المصاحبة لأسواق النفط من خلال تغيرات كبيرة في أسواق الأجل والمضاربات والتحوط. مع تداولات أول أسبوع من شهر مايو الذي تزامن مع البدء بتنفيذ اتفاق خفض الإنتاج نلاحظ الكثير من التوافق الإيجابي لكثير من الظروف السابقة، النفط باتفاقية خفض الإنتاج يكون تجاوز معضلة العرض واكتسب ميزة إضافية بتخفيضات أو حتى توقف لبعض المنتجين ولكن ظروف عودة الاقتصاد العالمي للنشاط تحسن كثيرا المعضلة على الطرف الآخر في جانب الطلب. بهذا التزامن يكون النفط اختصر كثيرا من التباعد السابق بين العرض والطلب الذي كان مبنيا فقط على مشهد العرض وتخفيض الإنتاج. أيضا نلاحظ تحسنا إيجابيا في أسواق المال مع تحرك البنوك المركزية العالمية بتحفيز الاقتصادات المتعددة بحزم مالية كبيرة من أجل تحريك عجلة الاقتصاد العالمي. الصورة الجديدة في المشهد النفطي تميل إلى معايير السوق المادي من العرض والطلب بشكل أكبر من ذي قبل عندما كانت تميل الكفة اإلى معايير أسواق الأجل المرتبطة بالمضاربين ووسائل التحوط وصناديق التجارة التبادلية، المشهد الجديد انعكس إيجابا ليس فقط على أسعار النفط بل حتى على شركات النفط الكبرى وقيمة أسهمها في الأسواق والتي تعتمد على التقييم السوقي للشركات، التوافق بين سعر السلعة والشركات المرتبطة بالسلعة يعتبر إيجابيا بالنسبة للصناعة النفطية، رجوع الفوارق السعرية بين الخامات القياسية في أسواق المال إلى المستويات ما قبل ظروف كورونا يعتبر أيضا مؤشرا جيدا للتحسن في السوق المادي للنفط. تجاوز النفط القلق المصاحب لظاهرة التخزين وامتلاء الخزانات التجارية بالنفوط، تجاوز النفط أيضا القلق المصاحب بتوقف الاقتصاد العالمي وعودة للأنشطة الاقتصادية حتى ولو كانت جزئية، ولكن تظل أسواق النفط بانتظار عودة قطاع النقل للحركة بشكل أكبر وتحديدا عودة الطيران ووسائل النقل العامة والخاصة، أي خبر إيجابي في مسار تحسن نسب إصابات كورونا أو تطوير لقاح أو علاج سيكون دافعا لتكوين بنية أقوى من ما كان عليه السوق قبل كورونا.