تجاوزت أسعار النفط في المنحنى الهابط لأكثر من واحد وعشرين يوماً مستمرة، وقد يمتد هذا المنحنى قريباً ليشمل الخمسين يوماً. تقنياً يعد ذلك مؤشراً تقنياً سلبياً على حركة الأسعار إلا أن هناك أكثر من مجرد التحركات التقنية للتحليل الفني للأسعار. تأثيرات انتشار فيروس كورونا وما رافقها من حجر صحي في شتى أنحاء العالم عطل الكثير من الأنشطة الاستهلاكية حول العالم في كل القطاعات بدءاً من النقل إلى الكهرباء إلى التصنيع إلى معظم الخدمات. قراءة المشهد الحالي يتطلب التمعن في الظروف الحالية لأسعار النفط والأنماط الاستهلاكية المرتبطة بأسواق النفط. من ناحية العرض فقد قادت المملكة العربية السعودية مؤخراً، وتحت مظلة مجموعة العشرين مفاوضات وتنسيقاً واسعاً بما يخص معروض النفط وملاءمة استهلاكه مع وعود بالتزام الدول المنتجة بخفض الإنتاج والدول المستهلكة بتحفيز تحريك عجلة الحركة الاقتصادية نحو مزيد من الأنشطة. يظل جانب العرض تحت القيادة السعودية لأسواق النفط جانباً منظماً لكل من تعاون من أجل تفعيل الاتفاقات الدولية التي جاءت بمباركة من الزعماء المعنيين. لكن ما لاحظناه في شمال أميركا هو استمرار في الإنتاج الأميركي من أجل تسديد الاستحقاقات المالية على زعم منتجي النفط الصخري. أي اتفاق لانقاذ العرض لن يكون ذا تأثير مجدٍ ما لم يضع قاعاً سعرياً، وهو ما قام منتجو أميركا الشمالية بكسر هذا القاع نزولاً تحت أعذار تسديد الديون وقوانين الحمائية. أما مشهد الطلب فلا شيء يعلو على ظرف انتشار فيروس كورونا الذي عطل الطلب بفعل توقف الأنشطة الأستهلاكية. التهاوي في الطلب وأرقام الطلب كان بمثابة انكشاف كامل في عيوب الصناعة النفطية الأميركية للمنتجين المستقلين في أحواض النفط الصخري. الاعتماد الكبير من منتجي النفط الصخري على التدفقات المالية من القروض المسهلة من أجل الانتاج المفتوح، ومن ثم البيع باستخدام الوسائل المالية الآجلة، وما يرافقها من التحوط والخيارات أصبحت منعدمة المرونة في ظل الانخفاض الكبير للطلب. الأضرار الاقتصادية الكبيرة التي أفرزها ظرف فيروس كورونا كانت جسيمة إلا أن هذا الظرف أبرز العيوب المخفية عند المنتجين ذوي الكفاءة المتدنية. القيادة السعودية لأسواق النفط استشرفت منذ اجتماع أوبك في فيينا مطلع شهر مارس الماضي كل هذه الظروف التي نمر بها حالياً بل وتفاعلت على المستوى العالمي لتجنب مثل هذه الأزمة إلا أن الأطراف التي خرجت عن الإجماع الدولي أبت إلا أن تلحق الضرر بنفسها والصناعة النفطية بالتالي. تردني الكثير من التساؤلات حول إن كانت الظروف مواتية لاستغلال النزول السعري بالنسبة للاستثمار في الصناعة النفطية إلا أنني أشبه الوضع الحالي بالتوقف في إشارة مرورية حمراء بانتظار الفرصة المناسبة للضوء الأخضر، ولكن هذه الإشارة الضوئية تتقاطع مع سكة حديدية لعبور قاطرة أزمة فيروس كورونا فلا يمكن التحرك بمجرد أن الضوء أخضر سعرياً حتى عبور أزمة كورونا وأخذ الضوء الأخضر من السكة الحديدية.