لو تأملنا اهتمام القرآن الكريم بالطيور وتناولنا على وجه التحديد قصة طائر الهدهد مع نبي الله سليمان –عليه السلام- لوجدنا إعجازاً واضحاً ومشهداً عظيماً خاصة استخدام هذا الطائر –الذي كان أشبه بوكالة أنباء في ذلك الزمن- في مجال الاتصالات السليمة والتحري في نقل الأخبار الإعلامية بكل دقة ومصداقية وأمانه.. لسرعته وذكائه وطريقته المذهلة في تنقلاته ورحلاته التي جعلت منه مبعوث نبي إلى ملكة سبأ، وداعياً إلى الله عزوجل, ومؤمناً بالفكرة ومدافعاً عنها.. فكان سبباً في إسلام أمة بأكملها, فقد خرج من فلسطين، وجعل يطير حتى تعدى جزيرة العرب ليصل إلى اليمن، فرأى أنهارًا وجبالًا وقصورًا ووديانًا وعجائبَ، ولم يلبث طويلًا؛ لأنه كان في مهمة مع دين الله، فرجع ليقف بين يدي نبي الله سليمان وعلى مسافة بعيدة منه، وأخذ يخاطبه بلا خوف أو هلع؛ لأنه ليس مذنبًا حتى يخاف، ولم يكن في نزهة خارج عمله. فقال يا نبي الله (أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ..), مع أن الجن والإنس والطير بين يديك ورغم القوى المسخرة لخدمتك, فإنني جئتك بخبر صادق لم تعرفه ولم تطلع عليه. قال (وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ).. جاء بخبر صادق وليس بإشاعة مغرضة أو كلام مفبرك أو خبر مزيف.. فالهدهد استخدم أسلوب التشويق عندما جاء من ملكة سبأ بنبأ يقين لأنه يعرف أنه جاء بسبق إعلامي لأول مرة يذاع خاص لنبي الله سليمان عليه السلام، وهو واثق في نفسه، وأن النبأ الذي جاء به وصفُه بأنه (نبأ يقين) وقد عّجل الهدهد بهذه المقدمة المشوقة لكي يمتص غضب سيدنا سليمان عليه السلام بسبب غيابه, وبعد أن رأى الهدهد مواطن الشرك في رحلته لليمن قال: ( وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ) ولم يقل سمعت أو قرأت أو كما وصلني أو وكالة قالوا أو يقولون..!!, بل كان منضبطاً بنقل الأخبار، ونقل الهدهد الحدث كما كان بلا تحريف, والأجمل موقف النبي سليمان عليه السلام في التعامل مع ما كان يصل له من أخبار وكيفية التثبت من صحتها, قال:(سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ) وبعد أن اختبر سليمان عليه السلام صدق الهدهد أعطاه خطاباً ليلقيه عند ملكة سبأ وقومها, فألقاه ثم تولى عنهم.. وهنا انتهى دور المبعوث الخاص بعد أن ترتب على صدق عمله وصحة رسالته الإعلامية.. تحول مجتمع كامل من الكفر إلى الإسلام وإيمان القوم بأسرهم..!!. ونحن نعيش اليوم أزمة (فيروس كورونا) العالمية بعد أن قذف هذا الوباء الرعب في قلب منظمة الصحة العالمية لخطورته وسرعة انتقال العدوى.. ومعها اتسعت دائرة القيل والقال، وبث الشائعات المغرضة من قبل البعض, خصوصاً مع كثرة وسائل التواصل الاجتماعي التي تعد أرضاً خصبة وبيئة ملائمة لرواج الشائعات، ونقل الأخبار الكاذبة، وتمرير المعلومات المغلوطة التي تزيد من حالات الخوف النفسي، والقلق الاجتماعي والرعب بالذات كل مايتعلق بهذه الجائحة وأثارها.. بقصد خبيث أو بحسن نية بحثاً عن زيادة المتابعين في المواقع الإلكترونية. ولذلك ينبغي أن نتعلم من طائر الهدهد في قصته مع النبي سليمان (لغة) التحري في نقل الأخبار، والتثبت من صحتها، وعدم نشر الأكاذيب وترويج الشائعات المغرضة.