للمهن والحرف الحرة مردود مادي جيد، ومع هذا نجد عزوف لشبابنا عن العمل فيها بسبب قصور في طريقة التوطين بالرغم من زيادة عدد الخريجين والخريجات مهنياً، وتنامي أرقام تلك القوى الوطنية التي تم تأهيلها نظرياً وضخها في سوق العمل دون تدريب عملي ما يجعلهم غير قادرين على تلبية سوق العمل عوضاً عن الوافد، والسبب الطريقة الخاطئة في طريقة التوطين لأن التدريب النظري عادة لا يتم في محيط العمل، لذلك ما زال التوطين يعاني من صعوبة في التطبيق على أرض الواقع بسبب عدم قدرة بعض الجهات المسؤولة من تدريب شبابنا عملياً وتحفيز للتطلع نحو آفاق مستقبل واعد من خلال الكثير من تلك المهن وخصوصاً الحرفية منها، فالتدريب النظري على المهن الحرة ينتهي بمجرد انتهاء البرنامج التدريبي لأنه لم يوفر فرص عمل للمتدرب بل يؤهله نظرياً فقط وهذا غير كاف، فالمهم مساعدتهم بسرعة إيجاد حلول توظيف عملية، ولن يتم ذلك إلا بحلول جذرية كالاستفادة من المهنيين الوافدين وتمديد بقائهم في مهنهم في بلادنا بشرط التزامهم بتدريب الشباب السعودي وإخضاعه لاختبارات مهنية شهرية يشرف عليها مهنيون وطنيون، لتسريع دخوله لسوق المهن وإحلالهم سريعاً بدل الوافدين، وليزاولوا تلك المهن التي لا أحد ينكر ما تدره من دخل شهري كبير، ومنع العمالة من مزاحتهم بسوق العمل من خلال قوانين صارمة. السعودي جدير وليس مستحيلاً أن يقوم السعودي بسد حاجة المجتمع من هذه المهن فقديماً كان هو من يسيطر على تلك المهن وبالخصوص مهنة السباك والكهربائي، حتى جاءت الطفرات الاقتصادية التي مرت ببلادنا بعد السبعينات إلى وقتنا الحاضر، فانصرف السعودي للعمل الحكومي أو الأعمال المريحة التي لا تتطلب جهداً، وترك تلك المهن وغيرها للوافد، ففتح باب استقدام العمالة على مصراعيه تلبية لمتطلبات مرحلة البناء والتشييد ومواكبة النمو السريع بفضل الله التي كنا نحتاجها قبل ما يقارب 40 عاماً. ولم يخلُ فتح ذلك الباب من سلبيات تسببت بهجر السعودي لتلك المهن للعمالة الوافدة التي تفردت بها، وأصبح عمل السعودي بهذه المهن، في نظر البعض نقيصة وعيب، بسبب عدم توعية المجتمع بضرر ذلك وبأهمية المهن الكبيرة في حياة المجتمعات. وفي هذا الشأن يقول د. عبدالمحسن الفرج، أن المملكة تواصل معركتها من أجل رفع سعودة الوظائف في القطاع الخاص، وقررت تخفيض الوافدين في 12 قطاعًا بنسبة 70 %، فكيف وصلت بنا الأمور إلى درجة، هيمنت العمالة الوافدة على سوق العمل. ويقول:، "أعتقد أن بداية الأمر تعود إلى العام 1973، عندما بدأت أسعار النفط بالارتفاع، فقبل ذلك التاريخ لم نكن نعاني من هذه المشكلة، فابن البلد كان يعمل قنوعًا في كل الوظائف تقريبًا، ابتداءً من الخباز وانتهاءً بالسباك والكهربائي. ولم يكن العمل حينها حصراً على الرجل، فالمرأة هي الأخرى كانت تعمل في الحقول وتبيع المحاصيل والمصنوعات في الأسواق. والآن مع رؤية المملكة 2030 اختلف الوضع لأننا نمر بمرحلة انفتاح كبير نحو بناء الإنسان وتوعيته وتثقيفه قبل كل شيء ثم الاستفادة من قدراته في البناء والتطوير، ما يجعلنا نستفيد من هذه الطفرة التي نعيشها الآن أكبر من الاستفادة المحدودة في الطفرة السابقة، وبدأنا نلمس الاستفادة من أهم أبجدياتها وهي توطين الحرف والمهن لكي لا يكون ذلك عائقاً وتحدياً كبيراً نحو نمو الاقتصاد الوطني، فالرؤية حرصت على توطين المهن وسعودتها خصوصاً بين الطلبة لما لذلك من أثر كبير وسريع في المساعدة في تخفيض نسب البطالة من خلال خلق فرص عمل للشباب ليؤدي ذلك إلى دعم الاقتصاد الوطني. ومؤخراً اعتمد معالي وزير التعليم د. حمد بن محمد آل الشيخ مشروع "تطوير مسارات الثانوية العامة والأكاديميات المتخصصة" الذي سيبدأ تطبيقه اعتباراً من العام الدراسي 43- 1444ه، بما ينسجم مع أهداف رؤية المملكة 2030 في تحسين مخرجات التعليم الأساسية، وتوفير معارف نوعية للمتميزين، وضمان المواءمة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل، وزيادة معدلات التوظيف، كما يلبي المشروع احتياجات التنمية الوطنية المستقبلية، ومهارات القرن الحادي والعشرين والثورة الصناعية الرابعة، وتمكين الطلاب من الالتحاق بسوق العمل، من خلال برامج تجسير مهنية وتدريس الطلاب مناهج مهندرة مع مقررات خاصة في تنمية المهارات، وهذا بإذن الله سوف يسرع استعداد الشباب السعودي لسوق العمل ووظائف المستقبل. وترى المواطنة نورة العمران، أن الدمج المهني مع التعليم العام يعتبر مرحلة مهمة لتحضير الطلبة في صفوف مبكرة للتعرّف على مهن المستقبل، حيث سيمكّن الطلبة منذ الصغر للتعرف على أهمية هذه المهن، وسيوجه الطلبة نحو مسارهم المهني المستقبلي، وخاصة أن الإقبال على المسار المهني ضعيف جداً، والسبب يعود إلى جهل الطلبة لأهمية التعليم والتدريب المهني والتقني، لتمكينهم من دخول سوق العمل، في ظل التخمة المستمرة في بعض المسارات الأكاديمية التي لا تتوافق مع السوق. وتضيف، "الأفضل تدريب شبابنا على العمل في عمر مبكر، ويتم استهداف طلبة المدارس في المرحلة المتوسطة، من الذكور والإناث من الصف الأول متوسط ولغاية الصف الثالث متوسط، بإدخال تسع مهن متنوعة منها التمديدات الكهربائية، والنجارة، والدهان، والسباكة، ومهارات إصلاح الأعطال الأساسية والعديد منها، ويتعلّم الطلبة ثلاث مهن في كل صف، ولا بد أن يواكب عملية التوطين توعية وتثقيف عملية تثبت للشباب وللمسؤولين أهمية تلك المهن المستقبلية لأبناء الوطن بالصورة والتجربة والحقائق والأرقام، لرفع وعي المواطن تجاهها، وللتلفزيون السعودي حضور جيد من خلال بثه برنامج "نقدر" والذي يسعى إلى تغيير سلوك المجتمع تجاه ثقافة العمل الحر، وخصوصاً العمل المهني، وإبرازه كصورة إيجابية للتوطين مع إبراز ما تدره تلك المهن والأنشطة المهنية من دخل مادي مرتفع، ويقول مهند أبوعبيد مقدم لبرنامج، "نفتخر بأن فريق الإعداد لهذا البرنامج سعودي بالكامل؛ حيث اجتهدنا كفريق لفترة تجاوزت العام في تحضير وتنفيذ البرنامج، الذي نسعى من خلاله لتوسيع آفاق المواطن تجاه فرص مهنية وتجارية غير معتادة وجديدة، وعملنا على توثيقها وتوضيحها بالحقائق والوقائع والأرقام. تفعيل التوطين وبدأ العديد من شبابنا لنبذ ثقافة العيب ضد الأعمال المهنية بممارستها والافتخار بذلك على رؤوس الملأ ومن تلك المهن التي تدر دخلاً عالياً هي مهنة سباك وكهربائي المنازل، فقد أكد مختصون أن أغلب المهن الحرة بالقطاع الخاص تسيطر عليها العمالة الأجنبية، وأن معدل الدخل الشهري للسباك أو الكهربائي يتجاوز 12 ألف ريال للعامل، وهناك دراسة تبين أن معدل دخل المهن البسيطة مثل السباكة والكهرباء والميكانيكا تقدر بنحو 12 ألف ريال شهرياً وأن سيطرة الأجانب على هذه المهن في القطاع الخاص تأتي بنسبة قد تصل 90 %، وتلقى المهن اهتماماً علمياً لما لها من أهمية قصوى في حياة المجتمعات ففي الولاياتالمتحدة الأميركية تحتل مهنة السباكة المرتبة الثانية ضمن أفضل مهن المقاولات، والمرتبة الخامسة كأفضل مهنة دون تعليم، وكذلك المرتبة التاسعة كأفضل دخل لوظيفة دون درجة علمية، وتحتل المرتبة 59 ضمن أفضل 100 مهنة بشكل عام وبمعدل رواتب يتجاوز 15 ألف ريال شهرياً. وكذلك هي الحال في معظم الدول المتقدمة. الشاب ماجد الزهراني، يحمل درجة البكالوريوس في التاريخ إلا أنه تميز في عمله كسباك، حيث اكتسب الخبرة كما يقول من خلال مخالطته العمالة التي كانت تتولى عملية الترميم في منزله وأسرته فوجد نفسه متقناً لمهنتي الكهرباء والسباكة، ولم يلتفت لنظرة المجتمع الدونية لمذل هذه المهن التي كانت العمالة الوافدة تسيطر عليها بالكامل. ويضيف: اعتمدت على نفسي بشق طريقي من مهنتي، والآن أملك شركة متخصصة ودخلي لا يقل عن 10 آلاف ريال، وعمل على تدريب زميله فيصل المطيري من خلال البرنامج على أعمال الكهرباء والسباكة مؤكداً أن سيجيدها سريعاً لنباهته، وبدوره أكد المطيري أنه لا يهتم بثقافة العيب وأن العمل في المهن شرف، وتجاوز مرحلة العيب سيمكن شبابنا من امتهان الحرف بدخول شهرية عالية، وهذا التوجه بإذن الله سوف سيقلل البطالة في توظيف أبناء الوطن نتيجة لاستقدام ملايين العمالة الأجنبية. والشاب ماجد الحربي يعمل كهربائي بمدينة الدمام، ومتخصص في مجال الكهرباء المنزلية من التأسيس إلى الصيانة، ويؤكد عبر حسابه في تويتر أنه قام بالتطوع بفتح حساب توعوي عبر الواتساب، وأتاح باب الاستفسارات للجميع خصوصاً في وقت الحظر للرد عن الاسفسارات والمشكلات الطارئة الكهربائية التي قد تحصل لدى أي من أفراد المجتمع في المنزل ويعالجها مجاناً. ومثله المواطن عبدالرحمن الغزواني متخصص في الإشراف والصيانة في مجالات، الأجهزة المنزلية، كالسباكة، والكهرباء، ومعايير الاختيار والشراء ومهتم أيضاً بتوعية المستهلك. ووفقاً لبيانات سابقة عن الهيئة العامة للإحصاء، فإن العمالة الوافدة تسيطر على: 71 % من تجارة الجملة و73 % من تجارة التجزئة و79 % من إصلاح المركبات. ماجد الحربي مهند ابو عبيد ماجد الزهراني