أطلق آدم سميث، مبدأ وشعار النفعية في الحياة، وقامت الرأسمالية على هذا الأساس، الذي يجعل غاية العمل الحصول على أعظم ربح بأقل جهد، بغض النظر عن القيم الإنسانية التي خُلق هذا الكون لأجلها، إذن غيرت الرأسمالية الغاية من وجود الإنسان كعنصر مفكر، من أجل إسعاد نفسه والمجتمعات والبشرية. انطلاقاً من هذا التفكير سادت شريعة التنافس بين أهل الفعاليات الاقتصادية ليسيطر كل منها على الشريحة الأكبر من السوق، فأصبح هاجس رجال الأعمال، ليس توفير السلع والخدمات للناس بأرخص الأسعار وأجود المواد، بل تطوير وسائل الإنتاج، حيث يستطيع كل منهم أن يحتكر السوق لنفسه، بغض النظر إذا كان هذا التطوير صديقا للإنسان أو للبيئة أو للحياة أم لا، إنما صار هَم المُنتج فقط الاستحواذ على السوق ومن هنا نشأت فكرة براءات الاختراع وملكيتها الاحتكارية، الذين احتكروا هذه البراءات من فقراء وتعساء أهل المواهب، حيث نجد أن هناك رجال أعمال يروجون بأن العالم يسير بطريق حكومة عالمية تحكم العالم من خلال الذكاء الاصطناعي والتطور العلمي، وهو سيطرة الرأسمالية النفعية غير المباشرة، ومن دون حكومة معترف بها من الأممالمتحدة، هذه الأسس أوصلت المجتمعات إلى تعاسة ظاهرها الرحمة وباطنها الشقاء. كل مصائب الدنيا وبلاويها ابتداءً، من شركة الهندالشرقية، واسترقاق الشعوب الأوروبية، إلى الحربين العالميتين، مروراً بالتفجير النووي في هيروشيما وناغازاكي والنعجة «دولي»، وحتى كورونا (1) وكورونا (2) واللعب في الشبكات الوراثية والجينات البشرية وجينات المأكولات والمزروعات، وكل ما يتحرك في هذا الكون، قائم في مختبرات اللا إنسانية على قدم وساق، بموجب القاعدة الرأسمالية وهي «تحصيل أكبر ربح بأقل جهد» من خلال محاولة الخروج عن قوانين الله سبحانه وتعالى بحجة التطور وتحقيق الرفاهية للناس. استطاع هذا العقل تحقيق أرباح خيالية من خلال برامج أنظمة أوصلت المجتمعات إلى حالة ضياع وأوبئة وأمراض لم تكن قبل أفكاره الأنانية، التي ساقت الناس من رقي الحياة البشرية وسعادتها الأسروية إلى تفكك المجتمع وأنانية الفرد. لا أريد أن يفهم القارئ أني عدو للعلم والابتكار والرقي والرفاهية، إني عدو لاتخاذ هذه العقليات وسيلة للسيطرة على الشعوب وإذلالها وسحق أدميتها، ولا تهمني ثروة «غيتس وجوبز وأمثالهم»، وتضخم ثرواتهم على حساب صحة الإنسان الذي وجد هذا الكون لأجله. إن متعة الحياة أن يعمل الإنسان وأن يبذل كل جهد لتحقيق غاية أو نتيجة لتطور الحياة بالشكل الطبيعي الذي يحقق الرفاهية والأمان لمجتمعه ولدولته وللإنسانية جمعاء، وما الغاية من عمل شركات الذكاء الاصطناعي وتسخير «الريبوتات» في الأعمال، وهل تنقصنا اليد البشرية. ألم يفكر رجل الأعمال العبقري بأن ذكاءه الاصطناعي سوف يقضي على الذكاء الحقيقي ويحول الإنسان إلى أداة تنافس أداة أخرى. واختم بقوله تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً). مسك الختام هذه الآية الكريمة التي حددت قيمة الإنسان في هذه الحياة وفضله على سائر المخلوقات، بأنه القوة الوحيدة العاقلة والمفكرة والمبدعة، وعلى الإنسان أن يسخرها لنفع أخيه والمجتمع وليرقى بتفكيره إلى خدمة الشأن العام الذي وجد على الكون من أجله وبسببه.