منذ ابتدأت جائحة كورونا وأنا أتابع قائمة منظمة الصحة العالمية للجهود البحثية لإنتاج لقاح لمرض «كوفيد - 19»، ومنذ ذلك الحين وقائمة الشركات والجامعات تطول، كانت القائمة تحتوي على الجهات التي تعمل على اختبارات أولية لإنتاج اللقاح، ثم قائمة أقصر للجهات التي بلغت مرحلة الاختبارات السريرية، وفي كل أسبوع ينضم إلى قائمة الاختبارات السريرية أعضاء جدد، كما ينضم إلى قائمة الاختبارات الأولية أعضاء جدد أيضا، وقد بلغ حتى الآن عدد الجهات في قائمة الاختبارات السريرية ثماني جهات، وتحتوي قائمة الاختبارات الأولية تسعين جهة. وفي كل مرة أعود إلى القائمة أرجو أن أجد اسم جامعة أو مركز أبحاث من المملكة، ولا أدري عن منهجية إعداد القائمة التي تصدر من منظمة الصحة العالمية، إلا أن الأحاديث الصحفية التي كان يدلي بها بعض الباحثين أول الأزمة تشير إلى جهود لإنتاج اللقاح في المملكة، القائمة تطول كل يوم، وتضم جهات من دول مختلفة في مقدمتها الولاياتالمتحدة والصين، إضافة إلى دول أخرى كاليابان وبريطانيا وألمانيا والهند، ولا تجد في القائمة دولا كثيرة، بما في ذلك دول مجاورة، إلا أن إمكاناتنا كبيرة وإرادتنا في صنع الإنجازات أكبر، فأين نحن من هذه القائمة؟ في كل أزمة تمر بنا نتلقى منها الدروس، فمن دروس هذه الأزمة أننا أثبتنا للجميع قدرتنا على الاستجابة للأزمات بسرعة، لجاهزية البنية التحتية للمملكة، وقبل ذلك لوجود وعي عميق لدى القيادة في معالجة الأزمات. كانت الأزمة اختبارا للقيادات في العالم بالدرجة الأولى وكان الاختبار مرا على بعضهم حيث لم تشر بوصلة القيادة إلى الاتجاه الصحيح، إنما فيما يعنينا نحن، فقد كشفت لنا الأزمة عن نقاط ضعف في بنيتنا الاقتصادية والاجتماعية. فاقتصادنا الذي يعتمد على النفط، تعتمد بنيته التحتية على العمالة الأجنبية كذلك. وهذه العمالة رخيصة وغير متعلمة وتعيش في ظروف سيئة، فكانت بيئة خصبة لانتشار العدوى. إن كان رخص العمالة الوافدة ميزة تنافسية فإنها اليوم عبء على المجتمع، فقد نالت العمالة ميزتها التنافسية لانخفاض كلفة المعيشة، وأصبحت عبئا لغياب الأنظمة التي تفرض على المستقدم حدا أدنى من الظروف المعيشية من السكن والنقل والرعاية الصحية. كشفت لنا جائحة كورونا أمورا كثيرة عن أنفسنا وعن العالم، وفي مجمل ما كشفته تناقضات داخل النظام الواحد، فالدولة الأقوى في العالم علميا وتقنيا يفشل نظامها السياسي في التصدي للجائحة مبكرا وهي نفسها التي يعد نظامها الصحي والتقني بإنتاج لقاح له. وفي المقابل ينجح النظام السياسي في دولة أخرى في التصدي لجائحة كورونا بامتياز، إنما ليس باستطاعة نظامها الصحي والتقني إنتاج لقاح له، مما لا شك فيه سيصحو العالم على واقع جديد، وفهم جديد لنظامه السياسي والاقتصادي، وما يعتريه من عيوب، وسيدرك العالم سذاجته حين قدم الكفاءة على الاستدامة، والاقتصاد على الإنسان.