ينظر البعض ممن يتعامل مع الكلمات كنافذة يتمكن من خلالها أن يرى ما حواليه، وأن يراه من يركز على النافذة بغية التعرف على كينونة المطل بواسطة ما يقدم ويشير إليه بتك الإطلالة المتمثلة في عمل منشور عبر كتاب أو مجلة أو أي وسيلة تمكن من الاطلاع بروية على ما قدم، فكان أن سار كثيرون إلى التوجه نحو ما يرون أنه الأسهل والأقرب للفهم، ووسموه بالتلقائية دون إدراك لمعنى التلقائية، بينما من كان قد حددها كعرف أو ما يماثل المصطلح لم يقل ذلك إلا بعد إدراك بواسطة دراسات واستنتاجات تكونت من سبر أغوار الثقافة تاريخاً مع القواعد والتواصل مع المستجدات والعطاءات الذهنية والشحن المستمر ومن ثم تطبيق المكتسب على الواقع بالعمل الذي يدل عليه. مسألة الوعي المعرفي قبل الخوض في منحنياته ومنعطفاته هي ضرورة حتمية في المجالات الإبداعية منها الأدب، وهو المعنى بما نحن فيه للمسؤولية التي يتحملها المبدع الذي يعي دوره الحقيقي في الحياة كصاحب عطاء وصاحب قضية تهم الآخر مثلما تهمه هو لإحساسه الفعلي بأنه إنسان متواشج ومتداخل مع الآخرين، ومن هنا يتضح المدى الذي يتوجب أن يكون عليه المبدع، وهو الكامن في المعرفة التي هي بدورها تقوده إلى التوجه والعطاء لكونها تعلمه وتبصره، فمتى كان عارفاً سلك الطريق الصحيحة نحو الهدف الذي قدم من أجله نتاجه؛ لأن العمل من دون هدف يعني الارتكاس والتوغل إلى الخلف، وهذا يتمثل في من يرى أن التلقائية هي أن تدع القلم يسطر ما تمليه النفس دون تفكر أو تدبر وإدراك للمبدع الذي عمل هذا الشيء من أجله، ويكون المستقبل شريكاً في أن يقبل على ذلك ممهداً ومسانداً بما يسمع ويقال دون أن يكون هو قد فحص وتيقن غير أنه تلقى بالتواتر مع سواه ممن كان له سببه في الترويج أملاً في التبادل الترويجي حيث لا يأتي ذلك إلا المماثل. التلقائية والعفوية في العمل الإبداعي لم تأتيا اعتبطاً من قبل الذين تحدثوا عنهما كمعانٍ أو إشارات إلا بعد أن درسوها - عرفوها - وما معناها وأنها لا تجيء إلا بعد أن تكون الحصيلة شاملة وتامة للفن المراد ممارسته، ومن ثم تكون الاستجابة التي تكون التلقائية من رتوشها وتزويقاتها، مع إيمانها بالقواعد الأساسية للعمل؛ لكونها ثمرة معرفة تزود صاحبها بالتنوع من القديم والجيد والجديد الذي يساعد على المسيرة المستمرة ومعرفة طريقة استخدام أسلوب التوصيل الذي ينعدم في حال هشاشة المعرفة العميقة لمعنى الإبداع في كافة فنون الثقافة وخاصة ما يندرج في مربع الأدب اسماً، وما يتفرع من مسميات في داخل ذلك المربع ذاته.