إذا كنا دوماً نقول عن رمضان إنه شهر الخير والبركة، فهل نستطيع أن نستنبط من خيره ومن بركته، بالتزامن مع الوضع الراهن، سلوكيات مغايرة، أثبتت الأحداث الجارية على الأرض أننا بحاجة لتقويم مساراتها، حتى وإن كنا تحت ضغوطاتها مؤقتاً.. كل عام وشعبنا الطيب وأمتنا الإسلامية بألف خير.. ها نحن نستقبل شهر رمضان المعظم -أعاده الله على البشرية جمعاء بكل السعادة والاستقرار- ونحن تحت وقع جائحة فيروس كورونا المستجد، التي فرضت إجراءات وقائية لا مثيل لها عبر التاريخ، من أجل التصدي لعدواه العابرة للحدود والقارات، ووضعت العالم كله في اختبار صعب للغاية لتلافي النتائج المأساوية من خسائر بشرية واقتصادية وغيرها. المملكة، التي يعيش شعبها ومقيموها الأجواء الرمضانية الكريمة، تحت الحجر المنزلي من جهة، وتحت حظر التجوال من جهة أخرى، إنما تحاول السيطرة على الوباء من التفشي، وقدمت بمؤسساتها وأبنائها من الكوادر الطبية ملحمة رائعة سيسجلها التاريخ الحديث بكل عبقرية وفخر، ضمن منظومة كاملة ومتكاملة، وضعت فيها الدولة كل إمكاناتها تحت إمرة المواطن والمقيم، من أجل وقايته من الإصابة بالفيروس، ومن ثم علاجه. ربما يكون صعباً علينا أن نشهد شهر رمضان المعظم، بمساجد مغلقة ضمن الإجراءات الاحترازية، وربما يحز في النفس أن نفتقد الأجواء الروحانية الرمضانية المعروفة والمتوارثة، وما يتبعها من زيارات عائلية و"ولائم" وموائد رمضانية لإفطار غير القادرين، وغيرها من المظاهر الإيمانية التي يختص بها الشهر الفضيل، ولكن ربَّ ضارة نافعة، ليس لأن "الوقاية خير من العلاج" كما تقول الحكمة المعروفة، بل لأننا وإن افتقدنا الكثير من سلوكياتنا الرمضانية، إلا أنه يمكن الخروج بدروس مهمة نستفيد منها مستقبلاً. منها مثلاً، أن الأجواء الرمضانية "الجديدة" تحت الحجر المنزلي، فرصة هائلة لإعادة اللحمة العائلية وزيادة الارتباط الأسري والتقارب بين أفراد الأسرة الواحدة، بعد أن كان التباعد الأسري ظاهرة شاذة لا أجد عاقلاً ينكرها، وكذلك يكون الهدوء في الشوارع واختفاء ظاهرة الازدحام غير المبرر وبالذات في الأسواق و"السوبر ماركت" مدعاة لاعتماد فقه الضرورة في اقتناء الاحتياجات والسلع الغذائية، وبالتالي إنهاء ظاهرة الترف المنزلي وتقليل حجم الهدر في الطعام والشراب والذي كان عبئاً سلبياً للأسف يقع أغلبنا فيه. ولا ننسى أيضاً عودة الهدوء للشوارع وتقليل التلوث والزحام وتوفير الطاقة، وهو أمر يمكن أن نبني عليه جدياً لفترة ما بعد رمضان ليكون سلوكاً مهماً في الواقع العملي ويكون استمراراً ليس لروحانيات رمضان فقط، ولكن للتصرفات والقناعات الشخصية أيضاً التي تحتاج لتأطير. إذا كنا دوماً نقول عن رمضان إنه شهر الخير والبركة، فهل نستطيع أن نستنبط من خيره ومن بركته، بالتزامن مع الوضع الراهن، سلوكيات مغايرة، أثبتت الأحداث الجارية على الأرض أننا بحاجة لتقويم مساراتها، حتى وإن كنا تحت ضغوطاتها مؤقتاً.. وبالمقدمة منها فلسفة الزحام وثقافة الهدر. بالتأكيد ستنزاح الغمة عن بلادنا وعن العالم يوماً ما، صحيح أن هناك خسائر.. لكن الدروس المستفادة هي الأهم، ومثلما يكون شهر رمضان درساً إيمانياً مفعماً بكل قيم الخير والعبادة والتوجه لله سبحانه وتعالى، وكذلك زيادة التواصل والتقارب والتقرب من الخالق -عز وجل- بالطاعات والعبادات، أتمنى أن يكون ما قدمناه في بلادنا، قيادة وحكومة وشعباً، نبراساً مهماً نعرف كيف نستوعبه، ونستفيد منه ونجيّره فيما بعد لما فيه مصلحتنا. ليس صحيحاً أبداً أن الكوارث -رغم مآسيها- كلها كوارث، بل هناك لها بعض النقاط المفيدة.. جائحة كورونا بكل آلامها وتوترها، جددت نوعاً من التلاحم الشعبي مع القيادة.. الالتزام بالإجراءات وطاعة التعليمات الصحية، وتغيير الأنماط السلوكية والتزام المنازل لأننا جميعاً في خطر، ولا يمكن ترك أمورنا للصدفة، وهنا يجتمع الالتزام الرمضاني الروحاني، بالالتزام الصحي الطبي المجتمعي، فهل نستفيد من كل ذلك، وننقح كأفراد وكمواطنين سلوكياتنا، ليستمر الجانب الرمضاني المضيء وجدانياً، مع الجانب السلوكي المجتمعي الذي نتعايش معه. عن نفسي أتمنى ذلك!