عزا المستشار الاقتصادي الرئيس التنفيذي لمركز التنمية والتطوير للاستشارات الاقتصادية د. علي بوخمسين ما حدث من تقلبات حادة في أسواق النفط الأميركية بشكل دراماتيكي متسارع ابتداءً من الجمعة الأخيرة حيث بدأت أسعار عقود التداول لشهر مايو لخام نفط غرب تكساس بالتنازل إلى أن وصلت دون 15 دولاراً، ثم الانهيار السريع أو السقوط الحر لها إلى أن بلغت نهاية جلسة التداول يوم الاثنين دولاراً، ثم أقفلت على سالب 37,70 دولاراً إلى جملة من الأسباب الاقتصادية العالمية التي انعكست على سوق النفط. واستعرض د. علي في تصريح ل"الرياض" أهم مسببات الانهيار وتداعياتها على السوق العالمية لجملة أسباب تداخلت وتشابكت في تأثيراتها على السوق النفطية في نفس الوقت، ومنها جائحة كورونا وما سببته من انحسار في حجم الطلب العالمي، ولأنها تركت آثاراً سلبية خطيرة على الاقتصاديات العالمية الكبيرة لا سيما الصين وأميركا والهند وأوروبا وهي من تمثل جانب الطلب الأكبر عالمياً، وكذلك توقف حركة الطيران العالمية، كل هذا سبّب ضعفاً في الطلب العالمي، وهذا تزامن مع زيادة الإنتاج للخام الأميركي وتراكمت هذه الزيادة، ونتيجة لعدم تصريفها توجهت للتخزين الذي بدأ يعاني ووصل إلى مستوى الطاقة الاستيعابية القصوى بالتالي عدم القدرة على تخزين المزيد من البترول في منطقة كوشينج بولاية أوكلاهوما، هذا بالضبط ما سبّب الضغط الكبير على أسعار عقود مايو وسبّب انهياراً نتج عنه قيمة سالبة بتحميل ملاّك هذه العقود تكلفة التخزين الباهظة وهم أصلاً خفضّوا الأسعار للتخلص من هذه التكلفة لكنهم لم يجدوا مشترياً لذلك وصلت لهذه النتيجة. ولفت د. بوخمسين إلى أن آثار هذه الأزمة ستكون بعيدة المدى حيث إن مسبباتها لم تنته لذلك نجد أنه مازالت أسعار النفط تعاني بشدة نتيجة استمرار أزمة جائحة كورونا وآثارها وتداعياتها على الاقتصاد العالمي مازالت كما هي بل وتتزايد؛ لأنه إلى الآن لم نشاهد تحسناً في أداء الاقتصاد العالمي، وظروف الحجر المنزلي مازالت قائمة في معظم دول العالم، لذلك فإن هذه الأزمة ستعيد صياغة آليات إدارة أسواق النفط العالمية، وحتماً ستترك بصمات مستقبلية كبيرة في شؤون أسواق النفط العالمية وكيفية إدارتها، وكيفية الوصول إلى أسعار عادلة مرضية للمصدرين والمستهلكين على حدٍ سواء، بل يعتقد أن أسواق تداول عقود الفيوتشرز والخيارات قد تتعرض لتطوير في صياغتها بما يمنع تكرار مثل هذه الظاهرة التي تعرف بما يسمى الكونتانغو، وهي عودة كميات النفط المباعة إلى البائع بدلاً من ذهابها للمشتري وهو ما حدث بالاثنين الأسود الماضي في أسواق خام تكساس الأميركية. ونفى د. بوخمسين أن يكون قد صاحب الانهيار الكبير في أسعار النفط انخفاض مماثل في أسعار البنزين في أميركا أو أي من دول العالم، لكنه لم ينف وجود انخفاض بسيط للغاية، مفسراً سبب ذلك إلى وجود تكاليف كبيرة تحمل على سعر البنزين، ومنها الضرائب التي قد تصل إلى 60 % ، وأحياناً في بعض الدول 100 %، وكذلك تكلفة التكرير التي قد تصل إلى 40 % ، إضافة لتكلفة النقل، وهناك أرباح للشركات في الغالب فإن قيمة تكلفة النفط الخام لا تتجاوز 25 % من إجمالي سعر البيع العامة للبنزين لذلك هي لا تؤثر بشكل ملموس. وحول تصوره لمستقبل سوق النفط وإمكانية حدوث تحسن ملحوظ أو مواصلة الهبوط، بين بوخمسين أنه من المتوقع حدوث سيناريو طبيعي يفترض أنه بزوال المؤثر ستعود الأمور على ما كانت عليه، وهنا الوضع مرتبط بكم ستستمر جائحة الكورونا قبل أن تبدأ بالانحسار، وحسب ما هو متوقع أنها لن تزيد على شهرين إلى ثلاثة لننتقل لمرحلة الانحسار، وهذا يعني أن الطلب لن يتحسن قبل هذه المدة، وأن السعر سيكون منخفضاً إلى أن تبدأ الاقتصاديات بالتعافي وتعود حركة النقل الجوي العالمية والشحن البحري والقطاع الصناعي، وهذا كله سيعيد الطلب على النفط مرة أخرى، وستتعافى الأسعار وتبدأ تتراجع لوضعها السابق بالتدريج، وبالطبع لن تعود بشكل سريع لأن الاقتصاد سيتعافى ببطء، وهذا هو طبيعته، وأما السيناريو الآخر أنه بالأخذ بالاعتبار الخسائر الكبيرة التي عانت منها شركات البترول العالمية والدول المصدرة للبترول وما سيتركه ذلك من آثار مدمرة عليها وعلى قدراتها للاستثمار في تطوير عمليات الاستكشاف والاستخراج، وهذا سيحدّ من قدراتها الإنتاجية مستقبلاً، وهذا كله سيصب مع زيادة الطلب العالمي في اتجاه ارتفاع كبير في أسعار النفط وهو أمر طبيعي لتعويض النقص الذي حصل بسبب انخفاض الأسعار الحالي، وأيضاً هناك تأثيرات خروج شركات النفط الصخري، وهذا سيحد من الكميات المتاحة من النفط بالأسواق بالتالي ستتجه الأسعار للارتفاع، وهذا بالطبع لن يحدث إلا في حال تعافي الاقتصاد، وتحسن الطلب على النفط خلال الستة شهور القادمة مع زوال جائحة الكورونا بإذن الله.