في الوقت الذي أكتب مقالي هذا تجاوز عدد المصابين بفيروس كورونا المليون، وعدد المصابين في أميركا سيصل إلى ربع مليون بعد أيام، وربما نصف مليون في أسابيع. كيف وصلنا إلى هذه المرحلة؟ ذُكر في بحث نشر عام 2007م لباحثين من جامعة هونكونج، أن الفيروس مستوطن في الخفافيش ما يهدد البيئة والأمن الصحي. كانت المعرفة بخطر الفيروس موجودة فترة طويلة، لكن رد الفعل الذي تأخر، قد تأخر على مراحل. المرحلة الأولى هي التأخر في إيجاد موانع أو مصدات لانتقال الفيروس إلى بيئة الإنسان منذ أن تبين الخطر. تدخل في ذلك إدارة بيئته الطبيعية حتى لا ينتقل إلى بيئة المجتمع، وإيجاد وسائل جديدة لمحاربته إذا انتقل. أحداث اليوم تدل على أن قدراتنا على التصدي لهذا الخطر بدائية، كما لو أن الوباء الذي أصبح جائحة لم يكن في الحسبان إطلاقًا. المرحلة الثانية هي التأخر بالاعتراف بالمشكلة. فما إن انتشر الوباء في الصين حتى تبين أن الصين نفسها مرت بمرحلة من الإنكار لخطورة المرض حتى أصبح وباء. خرج الوباء عن السيطرة أو كاد حتى اتخذت الصين إجراءات عنيفة في التصدي له، واتخذت كوريا الجنوبية وسائل مشابهة إلى أن بدأت نتائج الإجراءات تؤتي ثمارها ببطء، عندها كان الوباء قد انتقل إلى أوروبا وبدأ في الانتشار. المرحلة الثالثة هي التأخر بالاعتراف بالمشكلة مرة أخرى، رغم أن تهمة التأخر في الاعتراف بالمشكلة كانت تهمة تلقى على الصين والوباء ينتشر في أوروبا، كانت بريطانيا تصرح بأن انتشار الوباء نفسه قد يكون حلاً. وانتشر في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعية مفهوم مناعة القطيع، وكانت الحكومة البريطانية تتبنى هذا المنهج حتى تبين سخفه مما يجري في إسبانيا وإيطاليا، بل مما يجري في بريطانيا نفسها. ظلت مراحل التأخر متوالية عند من لم يصب بالوباء حتى مع إعلان منظمة الصحة العالمية أن الوباء أصبح جائحة. القدرة على إدراك حجم المشكلة ظلت قاصرة، ووسائل معالجة المشكلة مع نموها المضطرد تقل، إلى أن تبين أن الخطر الحقيقي الذي يواجهنا هو انهيار النظام الصحي، فليس لدى المستشفيات ما يكفي من الأسِرَّة للعناية الفائقة، وليس لديها ما يكفي من أجهزة التنفس الصناعي، بل بلغ النقص أن العاملين في القطاع الصحي لا يجدون ما يقيهم من واقيات من كمامات ومعقمات حتى أصبحت العدوى تهدد العاملين في القطاع الصحي نفسه. يبدو العالم اليوم لاهثًا في "ماراثون" الخروج من هذه الأزمة؛ لأنه فشل في إدراك حجمها منذ البداية. وإذا قلنا إن العالم فشل منذ البداية، فعن أي بداية نتحدث؟ بدء الجائحة، أم بدء الوباء، أم بدء المرض نفسه منذ المصاب رقم صفر؟ وإن كان فاتنا إدراك حجم المشكلة أمس، فهل ندرك حجم ما نحن فيه اليوم حقًا؟