عندما يتحدث الكتاب الغربيون عن الحضارة الإنسانية فإنهم غالباً يعنون الحضارة الغربية لأنها من وجهة نظرهم أوج ما وصل إليه الإنسان من رقي وحضارة، وخلال القرن العشرين عانت البشرية كثيراً من هيمنة الثقافة الغربية على ثقافاتها المحلية، فعلى الرغم من انتصار وهيمنة الثقافة الغربية على ذهنية الشرق الآسيوي مثلاً، إلا أنها عجزت عن ابتلاع الثقافات المحلية في اليابان وكوريا الجنوبية لأن الثقافات كما هو معهود عنها عصية على الإندثار، أزمة كورونا اليوم والتي تهدد الوجود البشري على كوكب الأرض كشفت خبايا أزموية للثقافة الغربية بينما أظهرت صوراً مبهرة لأنسنة الحضارة لدى ثقافات أخرى كالثقافة العربية الإسلامية والثقافة الصينية الآسيوية. بعض الباحثين في شؤون اليابان وبلاد الشرق الآسيوي تحدثوا عن عقدة النقص الآسيوية تجاه الحضارة الغربية، وأن الذهنية الآسيوية عاجزة عن الابتكار وتعتمد فكرياً على التقليد، ولذا نجد كل صناعاتهم الأولى ترتكز على تقليد الصناعة الغربية، وبالقياس نستطيع الإسقاط على النتاج الثقافي والفكري أيضاً، هذا ما كنا نقرأه بالفعل حول النهضة اليابانيةوالصينية، ولكن أزمة كورونا الحالية كشفت لنا عن صورة مغايرة لهذه النظرة، فعلى الرغم أن الصين تعد البلد الأكبر تعداداً للسكان في العالم وهي الحاضنة الأم للفيروس الفتاك إلا أنها أبهرت الثقافة الغربية في تعاملها مع الأزمة وقدرتها الجبارة على تجاوز الخطر بهذه الصورة المدهشة، بل إنها أظهرت حضارتها بصورة مثلى عندما مدت يد العون والمساعدة إلى إيطاليا، في عمق الثقافة الغربية!!. العالم اليوم يعاتب الثقافة الغربية نظير تأخرها عن مجاراة العالم في محاربة فيروس كورونا، فالإجراءات المتبعة في أوروبا مثلاً كانت متأخرة مقارنة بما شهدناه في الصين والمملكة العربية السعودية، كما أنها لا تزال مترددة في تقديم إمكانياتها العلمية والطبية المتطورة للدول المنكوبة كإيطاليا وأسبانيا، ففي الوقت التي تحولت فيه بعض الدول إلى ما يشبه الحجر الصحي كمحاولة حضارية للحد من انتشاره، لا تزال بعض الأصوات الثقافية الغربية تشكك في أزمة كورونا وتحاول التقليل من خطورته المتفاقمة !!. وأخيراً.. هل الحضارة الغربية في مأزق اليوم ؟، أم أن مقياس الحضارة الفعلي لم يعد يرتبط بمقياس الجغرافيا الأوروبية، وهل آن لنا كعرب أن نتحرر بالفعل مثل الصينيين من ثقافة عقدة النقص وأن نسكت الأصوات التي صدعتنا بجلد الذات؟، فما صنعته المملكة منذ بداية الأزمة من جرأة القرار حول إيقاف مشاعر العمرة، وزيارة الأماكن المقدسة، وما تبعتها من قرارات إدارية حازمة تجاه المنظومة التعليمية والعمل الحكومي والتجمعات البشرية يظهر الحضارة الإنسانية في أسمى صورها، هذه الإستباقية الرائدة تبعتها خطوات تقليدية لها من بعض الدول الأوروبية، ولعل هذا يخبرنا بفخر عن عودة الحضارة الإسلامية عبر فكر سعودي واعد.