لاشك أن تخطيط المدن وتطويرها على أساسٍ يراعي القدرة في إدارة الأزمات والطوارئ أمر في غاية الأهمية، فكثير من التوجيهات الاحترازية يسهل تطبيقها وتنفيذها على أرض الواقع متى ما اجتمعت الأدوات والعوامل الممكنة لذلك ومن أهمها تهيئة البيئة المكانية الحضرية للتأهب وتطبيق الإجراءات الاحترازية وخطط الطوارئ في المدن. ثمة مبادئ تخطيطية تنازلت عنها بعض المدن كانت تشكل عاملاً مساعداً في العزل وإدارة الأزمات والحوادث الطارئة لعل من أبرزها وجود بوابات (دراويز) والأحياء المغلقة وغيرها، ومع حدوث جائحة فيروس كورونا "حمانا الله جميعاً منها"، يتبيَّن أهمية تصميم المدن وتخطيطها على نحو يساعد في تحقيق الصحة والسلامة العامة. وأصبح من المهم الاستفادة من هذا الدرس العالمي في إدارة المدن تخطيطياً وتنظيمياً، ومعرفة علاقة تصميم المدن بسرعة استقبال وتفشي الأوبئة، ولقد أثبتت الحوادث العالمية حتى ما قبل كورونا عندما حل وباء سارس وأيبولا وها هي تثبتها هذه الجائحة في أهمية العناية بموضوع إدارة عملية التحضر والنمو في المدن وتحديد الكثافات الحضرية، فمدينة نيويورك على سبيل المثال وهي إحدى المدن المتضررة والتي تتسم بالكثافة العالية وذات معدل تزاحم مرتفع شهدت انتشاراً للفيروس وأعلنت بها حالة الطوارئ، حيث انتقد حاكم نيويورك أندرو كومو مؤخراً مستوى الكثافة المعقد في المدينة وذكر قائلاً "هناك مستوى كثافات سكانية مرتفع في نيويورك ومدمر، يجب أن يتوقف اليوم، يجب على المدينة إنشاء خطة للتقليل من مستوى الكثافات السكانية". إن من أهم العوامل المساعدة في تعزيز قدرات أي مدينة للاستجابة لحالات الطوارئ والتعامل مع الأزمات هو التنوع والتوازن الحضري ووجود خيارات متعددة لكافة الجوانب المكانية، وتوفير بنية أساسية عالية المستوى من الخدمات والمرافق فالجائحة العالمية تثبت مدى الحاجة إلى الاستفادة من هذا الدرس العالمي القوي وإعادة النظر في كثير من التوجهات والسياسات التخطيطية والتصميمية لتقوية دور المدن وتعزيز قدرتها في تحمل الأزمات والاستعداد لها في حال حدوثها. ما أتطلع إليه حقاً هو أن تبدأ إدارات المدن في رسم توجهات المستقبل مبكراً والتهيئة لما بعد أزمة جائحة كورونا آخذين بعين الاعتبار التأثير على جوانب الأمن الحضري والأمن البيئي والصحي والأمن المائي والغذائي.