في ظل عدم توفر علاج أو لقاح مضاد لفيروس كورونا (كوفيد - 19)، ما من حل بديل لمواجهته سوى العزل الاجتماعي بين الناس وبقاء الأسر في بيوتها، هذا ما يؤكد عليه الدكتور نيكولوس كريستاكيس أحد العلماء في مجال الطب ودراسة السلوك البشري الذي يراقب مع غيره من العلماء هذا الفيروس منذ ظهوره أول مرة في نهاية العام 2019 بالصين وذلك في إطار رصده للأوبئة الأخرى في العالم والسلوك البشري حولها على مدى نحو عقدين من السنوات، موضحاً في لقاء عبر شبكة سي إن إن الإخبارية أن ظهور الأوبئة لا يعد أمراً مفاجئاً أو جديداً على المجتمعات البشرية وإنما هي ظاهرة تحدث تقريباً كل عقد من السنوات. بالتالي أولى الخطوات في احتوائها هو العزل الاجتماعي بين الناس لضمان عدم انتشار العدوى بينهم بشكل سريع ومعدلات عالية ترهق الكوادر الطبية في مواجهتها وربما تؤدي - لا قدر الله - إلى انهيار المنظومة الصحية أمام المد الجارف من حالات العدوى، إضافة إلى أن خفض تلك المعدلات للعدوى وجعلها على مدى زمني أطول يزيد من إمكانية الاستعداد لها بلقاح مضاد قد يتاح التوصل إليه أثناءها، مفيداً أنه في نهاية المطاف سيتحول كورونا (كوفيد - 19) من جائحة في الوقت الحاضر إلى وباء وسيعيش بيننا إلى أن يشاء الله على نحو الأوبئة الفيروسية الأخرى وذلك بعد أن تتكون لدى الإنسان مناعة طبيعية أو مكتسبة ضد هذا الفيروس. ما يسترعي الانتباه في رصد هذا العالم وغيره من العلماء المهتمين بمجال مراقبة الأوبئة المعدية هو البعد المكاني في هذا الرصد أي ليس فقط أعداد حالات تفشي تلك الأوبئة وإنما مكان ظهورها ومعدل تكرار عودتها والأوقات التي تظهر فيها ومعدلات نشاط تفشيها وما يستخدمونه من نماذج رياضية تساعدهم في دراسة تلك الأوبئة وبالتالي معرفة التوجهات والسلوك المستقبلي لها، فهذا البعد تنبع أهميته من ذلك الكم من البيانات والمعلومات التي تتوفر حالياً وتتراكم على مدى الفترة القادمة لدى الأجهزة المعنية في وزارة الصحة عن انتشار هذا الفيروس أو غيره من الأوبئة الأخرى، سواء على مستوى مناطق المملكة أو مدنها، أو ربما على مستوى الأحياء وأنواع الوحدات السكنية التي يقطن فيها من اجتاحتهم هذه العدوى، فهذه البيانات ذات قيمة عالية جدير بأن تعنى بها ليس فقط جهة الاختصاص في وزارة الصحة وإنما أجهزة التخطيط في مدننا من أجل أن تُبنى عليها مؤشرات تساعدها في إدارة الأزمات الوبائية حال وقوعها، وأهم من ذلك توجيه عملية التطوير للجوانب الصحية في التخطيط والتصميم العمراني في هذه المدن، خاصة من تكون بؤرة لتفشي الأوبئة.