مشاهد لم تُر في العالم منذ الحرب العالمية الثانية، فخلو الشوارع والمُدن من البشر، والحجر العالمي عليهم في منازلهم، وتعليق الرحلات وخلو المطارات الدولية من المسافرين، والبعض منها احتجز بصالاته ثلة من الناس بسبب توقف الرحلات للحد من انتشار كورونا، كما توقفت وسائل النقل المختلفة، وانكمش اقتصاد الدول بأرقام مهولة، فهناك أرقام في البورصات العالمية لم نشاهد لها مثيلا منذ عقود، جاء ذلك الأثر كنتيجة عكسية لتصريحات رؤساء دول من جهة، وبيان منظمة الصحة العالمية من جهة ثانية، وكأن العالم يعيش في حالة حرب مع فيروس كورونا. والأكيد أن إجراءات مكافحة كورونا عطلت الحياة العامة، وأصبحت حديث الشارع العام، وتصدرت أخبارها الإعلام الدولي، وتأثر منها الجميع، فهناك عزل مجتمعي دولي للبشر، فمعظم الدول حظرت الدخول لأراضيها وعلقت التأشيرات لأراضيها، كذلك هي الحال للبعثات الدبلوماسية، وهناك دول أعلنت حالة الطوارئ وذكرت أنها ستمتد لمدة ستة أشهر مثل أستراليا، حتى الأنشطة الرياضية تم تعليقها في معظم الدول حول العالم، بينما أعلنت بعض البلدان حظر التجول، والسرد يطول في هذا الجانب. وعلى الطرف الثاني من المشكلة، استفادت الكثير من الشركات والمنشآت التي تتبع لكبريات الدول، وزاد الطلب على التبضع الإلكتروني من الإنترنت، ونشطت خدمات التوصيل والشحن، وزادت أرباح الشركات التي تبيع (أونلاين)، كما زاد الطلب على الأعمال والخدمات عن بُعدّ، بينما خسر الملايين وظائفهم التقليدية والروتينية، وكما أشارت دراسة حديثة صادرة عن بوسطن للاستشارات التي تتخذ من الولاياتالمتحدة مقرا لها، أنه حينما تهبط أسعار النفط يصبح الأداء المالي لشركات النفط العالمية في وضع أفضل، لذا يجب مراعاة التدريب والتوظيف عن بُعد خلال المرحلة المقبلة من الزمن. وعلى صعيد التعليم، فقد تسبب كورونا بكارثة من هذا الجانب، حيث أعلنت منظمة الأممالمتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو) أن أكثر من 850 مليون شاب في العالم، أي نحو نصف عدد التلاميذ والطلاب، اضطروا إلى البقاء في منازلهم من دون إمكان التوجه إلى مؤسساتهم التعليمية بسبب وباء كورونا، والعدد قد يصل إلى الضعف عندما يتم إقفال جميع المؤسسات التعليمية حول العالم، فهل الجهل على الأبواب بسبب كورونا!؟ والسؤال الذي يطرح نفسه، هل ستكون مرحلة كورونا نقطة تحول، بمعنى آخر أن الحياة ما قبل كورونا وما بعدها ستتغير!؟ الجواب بكل تأكيد أن التاريخ بعد كورونا لن يكون كما قبلها، وقد نشبه ذلك بأحداث 11 سبتمبر التي غيرت العالم أجمع من جميع النواحي وعلى كافة السُبل والأصعدة، فهناك تغيرات طارئة كثيرة ستحصل تتمحور في الأوضاع الاقتصادية وتدفق السِلع، إضافة إلى التعاملات التي ستتغير ما بين الدول، فهناك قوانين ستُشرّع أشبه ما ستكون بالحواجز بين بلدان العالم، وقد يُصاحب ذلك تقليل السفر، وقد تنعدم السياحة. نعود إلى فيروس كورونا، وما تبع ذلك من تضخيم هائل لكورونا على كافة الأصعدة، واشتغل على ذلك الإعلام الدولي، وكأن بعض الدول سمحت لهذا الداء بالدخول إلى أراضيها، «ونحن لا نقلل من أهمية الأمر وخطورة الداء»، ولا نستغرب من إعلانات المسؤولين عن خطورة الوضع، ونستغرب من مسألة التخلي عن كبار السن ومن لا فائدة من وجودهم بالحياة كما صرحوا، ويبقى التضخيم الهائل لكورونا الذي شهده العالم هو بلا شك مقدمة للتغير الكبير الذي سيبدأ خلال الفترة المقبلة لمرحلة جديدة من الاقتصاد العالمي.