انهيار أسعار النفط خلال الأسبوع الماضي بعد فشل اتفاق أوبك + حول خفض الإنتاج بحوالي مليون ونصف المليون برميل في اليوم لا شك بأنه مؤثر على اقتصاديات الدول المنتجة للنفط وإذا استمرت الأسعار عند المستويات الحالية لفترة طويلة فقد تكون مؤثرة على الإيرادات الحكومية، وإن كانت المملكة قادرة على تحمل انخفاض أسعار النفط بسبب تكلفة الإنتاج المنخفضة وقدرتها على زيادة الإنتاج إلى مستويات تصل إلى 13 مليون برميل في اليوم، في المقابل هنالك شركات نفط عالمية سوف تتعرض للخسائر عند هذه الأسعار وخصوصاً تلك الشركات التي تُنتج النفط الصخري وهذا يضعها أمام خيارين إما الاستمرار في الخسائر أو تقليص الإنتاج وتدرس حالياً شركة شيفرون خيار خفض الإنفاق الرأسمالي على الإنتاج لمواجهة الأسعار ويبدو أن حرب الأسعار مستمرة على الأقل خلال الفترة المقبلة، هذا الانهيار في الأسعار حدث عام 2016 وأثر كثيراً على إيرادات المملكة وتسبب في تباطؤ النشاط الاقتصادي لكنه كان من أحد الاسباب التي دفعت الحكومة الى إقرار وتنفيذ رؤية 2030 التي تستهدف خفض الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للإيرادات، خلال الأربع سنوات الماضية تم تطبيق عدة مبادرات من برامج الرؤية وجارٍ استكمال البقية خلال السنوات القادمة، ساهمت تلك البرامج والمبادرات في زيادة الإيرادات غير النفطية حيث سجلت ميزانية الدولة خلال عام 2019، مستوى قياسي بنحو 315 مليار ريال، تعادل نحو 34 في المائة من إجمالي إيرادات الدولة البالغة 917 مليار ريال وكانت في عام 2011 لا تتجاوز 7 في المائة وهو ما يعني أن الاقتصاد السعودي بحاجة كبيرة إلى تحفيز قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة.. لأن هذا القطاع متى ما تم الاهتمام به وتحفيزه فإن أثره الإيجابي على الاقتصاد سوف يكون سريعاً وفعالاً في زيادة الناتج المحلي الإجمالي وتوليد وظائف وفرص استثمارية للمواطنين وهو ما عملت عليه الحكومة بدءاً من تأسيس الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة في عام 2016 والحقيقة أننا لمسنا شيئاً من جهود الهيئة ومبادراتها والأفكار الخلاقة التي أظهرت لنا نمواً في الإيرادات وزيادة في أعداد المشتغلين من المواطنين إلا أن أمل وطموح القيادة أكبر مما تحقق خلال السنوات الماضية وخصوصاً أن أهم أهداف الهيئة التي أعلنت عنها هي إزالة المعوقات الإدارية والتنظيمية والفنية والإجرائية والمعلوماتية والتسويقية التي تواجه المنشآت، وعلى أرض الواقع ما زالت المعوقات تواجه المنشآت الصغيرة والمتوسطة فهنالك معاناة كبيرة وتحديات عظيمة تواجه المنشآت في ظل تأخر الدعم والحماية والإحصاءات أظهرت خروج الكثير من المنشآت من السوق وتصفية أعمالها، العوائق التي أثرت في إنشاء وبدء العمل جاءت كالتالي 31 % تكلفة الكهرباء و18 % عدم توفر الأيدي العاملة المدربة و15 % إجراءات وأنظمة العمل و14 % كانت بسبب الإجراءات الحكومية والبيروقراطية و10 % كانت بسبب عدم قدرة المنشأة على الحصول على التمويل هذا فيما يخص المنشآت التي ترغب بدء النشاط، أما المنشآت التي تمارس نشاطها فعلياً فإنها أيضاً تواجه معوقات من أهمها توفر التمويل ويمثل 26 % والعاملين 15 % وضعف الطلب 15 % والأنظمة واللوائح 10 % وهذا يظهر لنا أن المعوقات التي تواجه المنشآت التي ترغب البدء في النشاط أو التي تعمل تقريباً متشابهة وإن اختلفت النسب بينهما ونلخصها حسب الأهمية، أولاً التمويل ثم العمالة ثم الأنظمة والإجراءات الحكومية وأخيراً الرسوم وتكاليف الكهرباء، إذا ما أرادت الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة نجاح مبادراتها يجب أن تصرف تركيزها وجهودها على حل هذه المشكلات التي تواجه المنشآت ولو نجت في تذليل هذه المعوقات فإنها سوف تحقق إنجازات باهرة خلال السنوات القادمة، ويجب أن يتم التركيز على المنشآت التي لها قيمة مضافة للاقتصاد سواء في الصناعة أو التقنية أو السياحة والترفيه وهذه قطاعات واعدة تتماشى مع رؤية المملكة، وخصوصاُ أن الدولة تبنت دعم المحتوى المحلي وتفضيله على المنتجات المستوردة وهذا سوف يعالج مشكلة المنشآت القائمة التي تعاني من ضعف الطلب وعندما تبدأ هيئة المشتريات والمحتوى المحلي في ترسية المشتريات على المنشآت السعودية فإن ذلك سوف يحفز المنشآت على التوسع وزيادة التوظيف، وقد بادرت شركة أرامكو من خلال برنامج اكتفاء على تركيز مشترياتها وخدماتها على المحتوى المحلي وهنا يجب حث كل الشركات المحلية على هكذا مبادرات والتي سوف تعود بالنفع على الاقتصاد السعودي، أعتقد أن أهم مشكلة تواجه المنشآت الصغيرة والمتوسطة هو التستر التجاري وإذا لم تتم معالجته فإن كل المبادرات والجهود التي تُبذل لن تكون فاعلة في ظل وجود منافسة غير عادلة تؤثر على قدرة المنشآت التي يمتلكها مواطنون على المنافسة لأن التكاليف وساعات العمل وجودة المنتج لا تقارن مع تكاليف منشأة يمتلكها وافد تحت مظلة التستر يعمل لساعات طويلة ويروج لمنتجات مقلدة أو رديئة الصنع وهذه المشكلة وإن كانت لا تقع ضمن اختصاصات الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة ولكن يجب أن تنسق مع جهات الاختصاص في وزارات التجارة والمالية والبلدية للحد من سيطرة الوافدين على السوق، ومع أن هنالك توجهاً لتفعيل أجهزة نقاط البيع في كل المتاجر من أجل مكافحة التستر إلا هذا وحده لا يكفي بل نحتاج إلى رقابة ميدانية للكشف عن المنشآت التي تعمل تحت مظلة التستر وأعتقد أن كشف التستر ليس بالأمر الصعب وخصوصاً مع تراكم الخبرة لدى الجهات الرقابية، وإن عجزت الحلول عن القضاء على التستر فالحل الأمثل هو التصريح للوافد بممارسة العمل التجاري واستقطاع ضريبة للدخل ترفع إيرادات الدولة غير النفطية وتساهم في خلق منافسة عادلة بين المنشآت التي يمتلكها مواطنون وبين المنشآت التي يمتلكها وافد وتغليظ العقوبات على المتستر والمتستر عليه بحيث تكون عقوبات رادعة تدفع المخالفين إلى الالتزام بالأنظمة والإجراءات الحكومية.