هذا عنوان كتاب مهم للعالم اللغوي البريطاني (روجر فاولر 1938 - 1999م) ويعُرف أيضاً ب(اللغويات والرواية) وقد لفت انتباهي - وربما جذبني إليه - أن مؤلفه كان أستاذاً في الجامعة البريطانية (ويست إنجليا University of East Anglia) أول جامعة بريطانية قمت بزيارتها صيف 2011م، وتقع في مدينة (نورتش ( Norwich) الجميلة، من هنا نشأت بيني وبين هذا الكتاب تحديداً علاقة وثيقة، إضافة إلى أن مؤلفه متخرج من جامعة (كوليدج) العريقة ب(لندن) وكان مميزاً جداً في علم الأسلوب، وله مؤلفات في مجال علم اللغة النقدي، منها: (مقدمة في بناء الجملة التحويلية، فهم اللغة: مقدمة في اللغويات، قاموس المصطلحات الحديثة الحرجة، النقد اللغوي) وغيرها. وقد أقام مؤلف هذا الكتاب علاقة بينية مهمة جعلت الأدب واللغة يتضافران في خدمة بعضهما البعض، ويرمي الكتاب إلى أن اللسانيين لا يمكنهم الاستغناء عن الأدب؛ وأنهم كلما انعطفوا بنظرياتهم اللسانية، وقواعدهم النحوية إلى الأدب، استطاعوا الخروج بأشياء جديدة؛ لهذا انطلق الشكلانيون الروس من مبدأ لساني عندما عُنوا بقضايا الشكل، والأسلوب، والبنية، فكانوا يؤمنون بأن النص الأدبي نسيج من الأداء اللغوي. لقد اعتمد (روجر فاولر) في كتابه (اللسانيات والرواية) على التناظر القائم بين الجملة والنص الأدبي، فهو يرى أن اختيار الروائي لصيغة تركيبية بدل أخرى ليس أمراً اعتباطياً، بل هو شيء مهم يخدم البنية العميقة للنص، ومن ثم يفتح أفقاً آخر على الدلالة، فالرواية عنده راهنت على تجديد التقنية، ومواكبة العصر، وعليه كان الوقوف عندها لفك مغالق نصوصها أمراً مهماً بالنسبة إليه، وهو ما لم يلتفت إليه أكثر اللسانيين، فثنائية الأسلوب والنقد لا بد أن تكون حاضرة في الدراسات الحديثة اللغوية، والأدبية، وهو ما طبقه في هذا الكتاب؛ عندما زاوج بين الرواية، ونحو النص، والبنى النصية العميقة، والمقومات الدلالية، والتماسك، والتنغيم، والنبر، ونحوها من الظواهر التي يغيب اليوم تطبيقها عن كثير من اللسانيين العرب للأسف. ولئن أبدع الغربيون في دراساتهم البينية التي تضيف إلى المعرفة كثيراً، فإن المأمول من اللسانيين والنقاد العرب اليوم اقتحام هذا الباب، وتكثيف الدراسات، والأبحاث حوله، وأقولها للتراثيين تحديداً وقد يغضبون: لقد مات سيبويه، وأبو عمرو بن العلاء، والأصمعي، والدؤلي، وابن دريد، والفارسي، ويونس بن حبيب، ومعمر بن المثنى، والكسائي، وابن خروف، وابن عصفور، وابن جني، وابن يعيش، ونفطويه، والسيرافي، وابن مالك، وغيرهم. وعاشت آراؤهم، غير أن أكثر نحاتنا، وصرفيينا اليوم - للأسف - لم يوظفوا هذا التراث النحوي في خدمة عصرنا، وأدبنا، وثقافتنا، ولم يراوحوا مكانهم! وهذا برأيي سبب تأخر النحو وجموده؛ فما قيمة النحو إن لم يكن متجدداً؟ وما قيمته إذا بقي محكوماً في حدوده وقرونه؟ (فما لكم أيها اللسانيون تكأكأتم على ما أنتم عليه؟! افرنقعوا عنه) إلى حيث الأدب والاتساع.