أهداني الصديق عبدالحفيظ الشمري روايتة «شام يام» منذ فترة طويلة، لكني شُغلت عنها، وقد تهيأت لي أخيرًا الفرصة المواتية لقراءتها كاملة، والكتابة عنها ولو بشكل يسير وبلا شك أنها تحمل عبقاً من لغة شعرية باذخة، إذ حفلت بها فقد أجاد الاستعارات، التي وإن صرفت السارد عن السرد مؤقتًا، لكنه يعود إليه فيناغيه ويستحضر به الأبعاد الكامنة في أعماق الشخصيات، ويسكبها في الوعي ملوحاً لها ليجعلها ترفرف عالياً في أذهان من يتلقاها من قارئيه. وهذه الاستعارات توجد على سبيل النمذجة لا على سبيل الحصر. الكاتب سمى روايته «شام.. يام»؛ على أساس أن الشخصية الأولى (شام) تحب المال، وتستذل ذاتها من أجل أن تحصل عليه لدى ربة العمل التي يشتغل عندها ولعل ذلك يكفي لتنمية الشخصيتين في مسار ماتتجه له الأحداث بعد ذلك، من ذلٍ واستبعاد لشام، وتمكن يام من الفرار بجلده ناجيا من حبائل شيهانة الوكر إلى أقصى الجنوب الذي أتى منه مخضلًا بالعفاف والنجاة من الدسائس. ومما يميز هذا الرواية هو التشويق والمفاجآت وكان واضحاً في ثناياها نتيجة إحداث لم تكن متوقعة، ونجاح الكاتب في المقارنة بين عالمي شام ويام. واستعمل الكاتب الكنايات والأسماء البديلة، بشكل مميز حيث نجح في توظيف أسماء واستعارات بديلة عما لا يريد الإفصاح به. ويبدو لي أن الكاتب متأثر إلى حد ما برواية (التوأمان) لعبدالقدوس الأنصاري، وهي رواية مشهورة في أوائل هذا القرن إذ رسم فيها ساردها مقارنة بين وحيد، وفريد، بهما عالمان متناقضان مثل عالمي يام وشام هنا، وأحسب أن هذا التأثر لم يعب هذه الرواية (رواية عبدالحفيظ) إذ إنه أكمل العالمين بالطريقة التي آلت إليها الأمور، من رفاهية خلاف الوقت الذي كان وقت الجوع والحرب كما وصفه الأستاذ عزيز ضياء في سرده عن (سنوات من الجوع والحرب)، ومما يؤكّد بناء الشخصية بناء مكتملًا. ومن الملاحظ على هذه الرواية الانتقاد التقريري للمكان -طبعًا يحق للسارد أن ينتقد ماينتقد ولكن بهذه اللغة التقريرية الجائرة على السرد- فهذا لاينبغي لسارد مثله، خبر السرد، وعرف عوالمه، وخالجها في أعماله السابقة، فلماذا لم يغادر هذه اللغة التقريرية المباشرة. ويكمن الاعتراض في أن الكاتب لم يترك للقارئ أن يستظهر ذلك بنفسه بدلًا من أن يقرر هو له مايريد أن يعلمه!. والإطالة في تفاصيله «التهتك» المشمئزة؛ وليته احتفظ بلغته الموارية والمُكنِيَّة التي كانت كثيرًا ماتكنِّي على طول الرواية عما لاتريد الإفصاح عنه، دون الوقوع في حبائل التهتك والأمعان في وصف العري. ويعاب على الكاتب أيضاً طول العناوين، وكأنها مانشيتات صحفية، وأعترف أن الاهتداء إلى هذه المسألة لم يكن مني بل لفت نظري إليه أحد الأصدقاء، لكني دققت في رؤيته، فوجدت أن العنوان يطول، وكأن السارد يعد مانشيتًا، وليس عملاً روائيًا. أرجو أن أكون بهذه القراءة العجلى أديت للرواية مالها وماعليها التي أشعر معها الآن أن طاقتي تكاد تستنفذ قواها، فلأتوقف عن الكتابة عن هذه الرواية؛ لأحتفظ بطاقتي لكتابة عن عمل آخر أو رواية أخرى يقدمها السارد مثل هذه الرواية التي أتاحت مجالًا لي لأن أقول ماقُلت.