منذ بدايات 2020 والعالم في حالة ترقب واستعداد للخطر المجهول القادم من الشرق، وتحديدا مدينة ووهان الصينية التي بدأت بإنكار وتكتم، ومن ثم توالت التسريبات عن سقوط عشرات الضحايا ثم انهالت التحذيرات وبدأت الجهود الاستقصائية تتحرى عن أسرار هذا الخطر الداهم لمحاولة صده والحد من انتشاره وعلاج ضحاياه! هنا بدأ المشككون المولعون بنظرية المؤامرة ينسجون القصص البوليسية ويربطون ما بين الأحداث السياسية والاقتصادية، فذلك يدعي أنها الحرب البيولوجية، والفيروس ما هو إلا نتيجة هندسة بيولوجية تم تطويرها لتركيع الاقتصاد الصيني، وآخر يؤكد أنهم تجار الدواء واللقاحات يحاولون زيادة أرباحهم وزيادة أرصدتهم بالمليارات من أموال الشعوب المنكوبة عبر خلق حالة من الخوف والطلب غير المبرر لعلاجات ولقاحات لفيروس عادي كالإنفلونزا وآخرون عزو كل تلك الأحداث لقوى عظمى خفية ترغب في تقليل أعداد سكان الكرة الأرضية لتتلاءم مع احتياطات العالم الغذائية ومصادره الطبيعية، وعلى قول أهل مكة "الكلام ما عليه جمرك" ادعاءات مبنية على تحليلات تفتقر للمنطق والدليل! فيروس كورونا المستجد هو فيروس ينتمى لعائلة معروفة ذات حسب ونسب ولها تاج! أخفها يسبب نزلات البرد وأشدها ضراوة ما ظهر في السعودية بالعام 2012 والذي سبب انتشار ما يعرف بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية وما سبقه ظهوراً في الصين في العام 2003 والذي سبب حينها متلازمة الجهاز التنفسي الحاد، فظهور مثل هذا الفيروس في العالم ليس بالمستحيل وتحور هذه الفيروسات ممكن وانتقالها من الحيوان للإنسان مثبت وعبر التاريخ هناك حالات كثيرة مشابهة، أما ما تغير فعلا هي طبيعة الحياة فقد تلاشت الحدود وأصبح الانتقال من أقصى الشرق لأقصى الغرب لا يستغرق سوى ساعات وانخفضت تكاليف النقل وتنوعت وسائله وأصبح العالم صغيراً جداً فما يظهر في أقصاه بعد أيام قليلة يصل إلى أدناه. والأدهى والأمر ومما زاد من صعوبة احتواء الفيروس والحد من انتشاره إضافة إلى طبيعة هذا الفيروس هو سرعة الوصول والتواصل وانفتاح الفرد على العالم، فمن يجلس في بيته هناك في تلك القرية الصغيرة يصله ما يحدث في أقصى الأرض عبر هاتفه الذكي وتطبيقاته ويبدأ في حينه في التفاعل والتحليل بل ويتعدى ذلك إلى صنع الخبر ونسج القصص والروايات التي تصبح مصدراً للمعلومة وتنتشر كالنار في الهشيم! وهذه حقا المؤامرة الحقيقية وهي أخطر بكثير على صحة الناس من الفيروس وما يسببه من أمراض لأنها تحد من نجاح جهود الوقاية والاحتواء التي تتخذها الدول والمؤسسات لمكافحة المرض بنشرها للهلع والخوف من ناحية والتطمينات الساذجة من جهة أخرى، والأسواء من هذا وذاك تلك المعلومات عن علاجات ووسائل وقائية مزعومة لم يثبتها العلم تعطي مستخدمها شعورا خاطئا بالحماية من هذا الخطر إذا لم تكن خطراً على صحته بذاتها! وفي خضم كل هذه الأحداث التاريخية التي يمر بها العالم يجب أن نقف احتراماً لجنود الميدان في كافة قطاعات الدولة وللإجراءات الصارمة التي اتخذتها السعودية لحماية سكانها وزوارها والعالم من حولها فبرغم من قوة وشدة هذه الإجراءات إلا أنها - بإذن الله - وبتعاوننا جميعاً ستقضي على هذا الخطر! ومضة! الادعاءات القوية إذا لم تستند لأدلة وحجج قوية فهي مجرد قصص خيال علمي! * أستاذ طب المجتمع والوبائيات المساعد كلية الطب - جامعة الباحة