مهما قرأنا في أدبيات التربية وهي أدبيات لا حدود لها، فإن التطبيق هو الاختبار الحقيقي. التربويون وغير التربويين يتفقون على أن الأكثر تأثيرًا في موضوع التربية هو (القدوة)، وفي الغالب فإن الشخصية المتناقضة في سلوكها لن تكون مؤثرة في تعديل سلوك الآخرين. إذا كنت تقود سيارتك بسرعة جنونية وتتجاوز الإشارة الحمراء، فهل تستطيع تقديم النصيحة لابنك ليحترم أنظمة المرور؟ عندما تتحول المبادئ التربوية إلى سلوك، فإن صاحب هذا السلوك جدير بأن يكون قدوة لأبنائه أو طلبته أو فريق عمله أو زملائه. شاهدت شخصًا يقود سيارته في اتجاه معاكس ومعه أسرته بمن فيهم الأطفال! ولاحظت كما لا حظ غيري ما يحدث للحدائق العامة من مرتاديها؛ حيث تتحول إلى ساحة للنفايات يتسبب فيها الكبار قبل الصغار. يتفق الناس على كثير من المبادئ المتعلقة بالتربية، وأهمية دور البيت وأولياء الأمور في غرس القيم وتعزيز السلوك الإيجابي. من تلك المبادئ النصيحة التي تقول: كن صديقًا لابنك. هذه الصداقة تقوي العلاقة بين أفراد الأسرة، وتقدم دروسًا عملية في شؤون الحياة المختلفة. إذا كان رب الأسرة يتسم بصفات الصدق والأمانة وحسن التعامل واحترام العمل والجدية فيه، فإن الصداقة ستنقل هذه الصفات إلى الأبناء. بعض أولياء الأمور يعتقدون أن القسوة أسلوب التربية المناسب لبناء شخصية قوية قادرة على التعامل مع ظروف الحياة. الواقع يقول إن في التربية تفاصيل كثيرة تتحدث عن الأساليب التربوية في التعامل مع مراحل الإنسان المختلفة، القسوة ليست ضمن هذه الأساليب. نعم هناك ثواب وعقاب بما يهدف إلى تعزيز السلوك الإيجابي وعدم تكرار الأخطاء أو السلوك السلبي. تطبيق مبدأ الثواب والعقاب له ضوابط مهمة، من أهمها توجيه النقد إلى السلوك وليس إلى الطفل، لا تقل له: أنت غبي، ولكن قل له: هذا سلوك خاطئ. لن يستفيد الطفل من وصفه بالغباء، الفائدة تتحقق عندما يركز الوالدان على السلوك وليس على الشخصية، الأخطاء واردة، وهي فرصة للتعلم وليست فرصة لهدم شخصية الطفل وثقته بنفسه. في بيئة العمل، يرتكب بعض المديرين خطأ التركيز على الشخص وليس على الأداء. ستسمع أحدهم يقول للموظف: أنت غبي، أنت لا تفهم، ما مشكلتك؟ هذا الأسلوب لا ينتمي إلى النقد ولا التوجيه، ولا يفيد في تطوير أداء الموظف، وبالتالي لا يخدم مصلحة المنظمة. وللحديث بقية.