توقفت كثيراً قبل كتابه هذا الموضوع عند ما كتبه الأديب الرائع «إبراهيم مفتاح» في مقال نشره عام 2009 تطرق فيه إلى كتاب الدكتور عبدالرحمن الرفاعي «الحلقة المفقودة في امتداد عربية اللهجات السامية» الذي أكد من خلاله إن السريانية والبابلية والأشورية كلها آرمية، والآرامية عربية في لغتها ونشأتها. وذكر قصة الرفاعي مع الرجل ذي الثياب الرثة والشعر المنكوش حافي القدمين والهائم على وجهه في منعطفات الأزقة مالئاً شدقيه بأوراق خضراء صبغت شفتيه عندما سأله الرفاعي باستنكار وسخرية «وش هو ذا الذي في فمك؟ وبكل برود وسخرية ولا مبالاة أجابه الرجل: إيسى. ولأن السائل لم يعرف المعنى كرر السؤال: وش هو إيسى؟ فرد الرجل: إيسى رائي امجمل. أي «عيسى راعي الجمل».. وعيسى راعي الجمل في جازان معناها: إيش دخلك يا حشري أو يا لكع». ما نود قوله هنا أننا في المملكة أمام مدونة تاريخية ضخمة تنتشر من الجنوب الى الشمال دونت بالحرف العربي القديم (السبأي والثمودي) وقد تتبعتها كما تتبعها غيري من الباحثين والمؤرخين في مواطنها وهي آلاف النصوص لاسيما في المناطق الجنوبية من المملكة كتثليث ونجران وفي العلا أيضاً وغيرها وهي بحاجة إلى عمل أكاديمي ضخم يفك معانيها ورمزية بعضها. وفي اعتقادي أنه مالم يكن هناك فريق مشترك بين علماء التاريخ من الجنوب نفسه (موطن هذه اللهجة) ومجموعة من كبار السن هناك وفريق آخر يضم علماء تاريخيين عرب ممن يتقنون الآرامية والعبرية إلى جانب العربية فإن معرفة دلالات النصوص السبئية والثمودية إن صح التعبير لن تعرف وتبقى رهن اجتهادات لا توصلنا إلى معرفة حقيقة بتاريخ الجزيرة العربية والأمم السابقة التي استوطنت هذه الديار من آلاف السنين ففي اكتشافها ربما نصل إلى تغيير بعض المسلمات والمعتقدات التاريخية القديمة في جنوب الجزيرة العربية والتي كنا نسلم بصحتها. وسوف نأخذ مثالاً على ذلك من كتاب الرفاعي نفسه على بعض الألفاظ ومعانيها أو دلالاتها عند تلك الشعوب الجنوبية. فعندما نجد نصاً ثمودياً قديماً كتب بطريقة الاختزال والدمج ونطقناه بهذا الشكل (عمو) التي تعني العموريين حسب الرفاعي . و»لب» التي تعني»قلب» «وبنكو» التي «تعني بني كنعان» فإننا أمام طلاسم لا نعرف معناها ودلالاتها مالم نرجع لأصولها عند من تبقى من سكان تلك النواحي. ومثال آخر في لهجات أهالي شرق جازان لنفس المؤلف في قوله: بنو معين يقولون «لنك ابن» أي «منهو أبوك». وآخرون (العبادل) ينطقون الجملة نفسها «منك عيهو». وهناك من يقول «بِها» يعني «أين هو ؟». وذكر المؤرخ محمد بن مسعود الفيفي في بحث اطلعت عليه في مدونة (معجم اللهجات المحكية في المملكة العربية السعودية) عملية الإبدال في لغة فيفا مثل إبدال الصاد المهملة إلى (س ت) مثل: صلاة، تنطق: ستلاة، وصبر: ستبر. وينطقون الضاد المعجمة فاء مثل: ضمد فمد. ضفدع ففدعة. وينطقون الظاء المعجمة أحياناً ثاء مثل: ظلام ثلام. وأحياناً يبدلونها بالحرفين ( ت ث) مثل ظلام: تثلام. ظهر تثهر. فنحن نستطيع قراءة النصوص السبئية والثمودية حرفياً من الصخور المكتوبة فيها لكن ربما لا نصل إلى دلالاتها مالم نعرض الكلمات على الجذور اللغوية للكلمة وعلى اللهجات المحكية اليوم في تلك النواحي. نقوش تعود إلى حقب قديمة حروف ثمودية منقوشة في جبال الباحة