التوسع السريع لانتشار فيروس كورونا المُستجد، يضع اقتصاد العالم بأسره أمام تحدٍ حقيقي، حتى وإن كان أغلب الإصابات قد سجلت في الصين صاحبة المركز الأول من حيث التعداد السكاني لعام 2020، حيث توفي أكثر من 2700 شخص بسبب المرض، وتم تسجيل إصابة أكثر من 77 ألف شخص في الصين، غالبيتهم في مقاطعة هوباي «وسط» بؤرة وباء الالتهاب الرئوي. كما أن دولاً أخرى تُصارع من أجل احتواء الفيروس، من بينها إيران، وكوريا الجنوبية، وإيطاليا. ولم يُكشف حتى الآن عن لقاح ناجعٍ لمنع انتشار فيروس كورونا. وتأكدت إصابة أكثر من 1200 حالة في 26 دولة أخرى، وتوفي أكثر من 20 جرّاء الإصابة بفيروس كورونا خارج الصين، كما أعلنت إيطاليا عن حالات وفاة. إن قدرة العالم على احتواء الفيروس هو الذي سيحدد حجم الخسائر الاقتصادية، كما أن عامل الوقت مهم جداً، لأن عدم استقرار الوضع على المُستوى الراهن سيزيد من الأضرار. وتثار عدة مخاوف بشأن ثاني أكبر اقتصاد في العالم، جراء استمرار إغلاق كثير من المصانع وفروع هيئة سوق المال في مدن الصين الكبرى، وهو ما يعني العجز عن تسليم وتسلُّم الصفقات المُصدرة للعالم الخارجي. وتتعثر عودة المصانع الصينية إلى نشاطها، بسبب عدم إمكانية عودة العمال الأجانب، أو نظراً لصعوبة الحصول على المواد الخام التي تتطلبها عملية الإنتاج فيما تعرقل إجراءات الحجر الصحي عملية التنقل في البلدان الآسيوية. كما نرى: أن الاستهلاك قد تأثر بدوره على نحو كبير، لا سيما أن المستهلكين أصبحوا يفضلون البقاء في بيوتهم على أن يخرجوا إلى الأسواق والمتاجر والمطاعم والمنشآت السياحية الأخرى، وهذه الأنشطة الصغيرة والمتوسطة تساهم بشكل كبير في النمو الاقتصادي الصيني. وإزاء الوضع الراهن: ومع تحذيرات مُنظمة الصحة العالمية من احتمال تحول الفيروس إلى «وباء»، تجد الصين نفسها مطالبة بزيادة الإنفاق وخفض الضرائب المفروضة على السلع والخدمات، فضلاً عن تقديم قروض بفوائد مُغرية لأجل إنعاش التنمية الاقتصادية، مما يعني إثقال كاهل الإدارة المصرفية الصينية ومن ثم العالمية (في حال تحول الفيروس إلى وباء). إن هذه الإجراءات لن تؤتي ثمارها إلا في حال عودة النشاط التجاري الصيني إلى النهوض، لا سيما وأن المتعارف عليه في النظام المصرفي الصيني: استفادة الاقتصاد تتحقق حينما يجري منح القروض للشركات الكبيرة، وليس للمشروعات الصغيرة المتعثرة. وبما أن شركات عالمية كثيرة تعتمد على سلاسل الإنتاج الصينية، فإن عدم تعافي ثاني اقتصاد في العالم، ستكون له تداعيات على العالم بأسره، وعندئذ، ستصبح الأزمة عالمية وأوسع نطاقاً ولن تظل حبيسة الصين وحده. وفي حال عدم تحسن الأوضاع فإن الاقتصاد الأميركي سيتأثر مما قد يُؤدي إلى كبح التنمية الاقتصادية للولايات المتحدة، خلال العام الحالي. ولا ريب أن الثمار التي كانت مرجوة من الاتفاق التجاري الموقع بين واشنطن وبكين، في يناير الماضي، ستتبخر في حال لم يتعاف الاقتصاد من تبعات فيروس كورونا، كما أن حالة الشك المخيمة على الساحة العالمية ستحد من الاستثمارات في أغلب الاقتصادات الكبرى. *أستاذ الاقتصاد والمالية العامة المساعد