رواية «متاهة الأرواح»، للكاتب كارلوس زافون، بترجمة معاوية عبدالمجيد. رواية تقودك إلى ألفة غير مسبوقة، وحبكة مدهشة، ودهشة لا تتوقف، لمؤلف مبدع، ومترجم متمكن، يصل بنا كارلوس زافون إلى محطته الأخيرة من ملحمة «مقبرة الكتب المنسية». «متاهة الأرواح»، وهي الحلقة الرابعة بعد سجين السماء ولعبة الملاك وظل الريح، رواية متوقدة، لا تقل عن سابقاتها من حيث الحماسة والإثارة والتشويق، تعود بنا مرة أخرى إلى تلك الأزقة الضيقة التي يكتنفها غموض مريب ولغز عصيب، ما بين برشلونة الزاهية ونقيضها اللعين، لتغدو المدينة مثل دوائر الجحيم يتداخل بعضها بعضا، نقابل فيها وجوهاً جديدة، تنضم إلى الشخصيات السابقة وتتفاعل معها، وبدلاً من إرشادنا إلى ختمة نهائية للرباعية، تنفتح الصفحات على سيناريوهات مختلفة، فتتسع لتشمل أمكنة أخرى، وتتعمق في الحديث عن أزمنة مهدت للحرب والمأساة وما تبعها من أعوام التسلط والقهر والجور. قال مارتين: إن الناس في إسبانيا يحتقرون الخصم، ولكنهم يحقدون على من ينأى بنفسه ولا يتّبع مروحة أيًّ من الطواحين، أن الغلطة الوحيدة التي لا تُغفر في إسبانيا هي البقاء على الحياد ورفض الانحياز لقطيع أو لآخر. وحيثما وجدت قطعان أغنام، وصلت الذئاب الجائعة. لكن الأكثر إمتاعاً في الرواية هي أنها مشهد لا يمكن استعادته لبرشلونة كمدينة، فهي البطل الخفي للرواية، المبطنة بالأسرار والحكايات، التي رغم عنفها الكاسح، ووقوعها تحت القصف لا تزال فيها نتف من تاريخ حي. بما يشبه التلذذ بأصناف المشروب الصباحي لأليثيا (أبرز شخوص الحكاية في الجزء الرابع)، أو روائح المخبوزات في الفجر، أو التماع حبات المطر تحت الضوء الشحيح لعربة الترام المتهادية آخر الليل، يفرط زافون إفراطاً عجيباً في وصف الأبنية، والمنازل شبه المهجورة، والفيلات المشيدة كالقلاع من قمم كاشفة، ففي كل بناء تدخله تشعر أنك في متاهة لا يمكن تصديقها. مدينة يختلط العناق برائحة البارود والدماء، الشعور بالديمومة حتى ولو كان الخطر يظللك مثل جناح غراب. مقتطفات من الرواية: - * إن أفضل طريقة لتفادي تمرد الفقراء، هي السماح لهم بتقليد الأغنياء. * لست خارج الطريق أبداً. لم أكن في حياتي كلها خارج الطريق. المشكلة في وطننا المحبوب هي الطرق، لا من يسير فيها. * الأسطورة هي أكذوبة تهدف إلى تفسير حقيقة شاملة. والأماكن التي تحتضن أرضها الأكذوبة والوهم خصبة لزراعتها إلى حد كبير. * فبدأ كل فصل، وكل جملة، كأنها مؤلفة بناء على مقياس موسيقي. وكان السرد معشقًا بالكلمات بأسلوب متين لا يقدر عليه إلا صائغ المعادن الثمينة؛ فتلهث العينان وراء الحكي بقراءة موسومة بالرموز والألوان التي ترسم في الذهن مسرحاً من ضلال. * ما الكتابة إلا إعادة الكتابة. نحن نكتب من أجل أنفسنا، ونعيد الكتابة من أجل الآخرين. خالد المخضب