المملكة رئيساً للمنظمة العربية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة «الأرابوساي»    "التجارة" تكشف مستودعًا يزور بلد المنشأ للبطانيات ويغش في أوزانها وتضبط 33 ألف قطعة مغشوشة    وفد عراقي في دمشق.. وعملية عسكرية في طرطوس لملاحقة فلول الأسد    مجلس التعاون الخليجي يدعو لاحترام سيادة سوريا واستقرار لبنان    الجمعية العمومية لاتحاد كأس الخليج العربي تعتمد استضافة السعودية لخليجي27    وزير الشؤون الإسلامية يلتقي كبار ضيوف برنامج خادم الحرمين الشريفين للعمرة والزيارة    الإحصاء: إيرادات القطاع غير الربحي في السعودية بلغت 54.4 مليار ريال لعام 2023م    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الاجتماع الاستثنائي ال (46) للمجلس الوزاري لمجلس التعاون    استمرار هطول أمطار رعدية على عدد من مناطق المملكة    استخدام الجوال يتصدّر مسببات الحوادث المرورية بمنطقة تبوك    الذهب يرتفع بفضل ضعف الدولار والاضطرابات الجيوسياسية    استشهاد خمسة صحفيين في غارة إسرائيلية وسط قطاع غزة    السعودية وكأس العالم    الفكر الإبداعي يقود الذكاء الاصطناعي    «الإحصاء»: 12.7% ارتفاع صادرات السعودية غير النفطية    حلاوةُ ولاةِ الأمر    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    الحمدان: «الأخضر دايماً راسه مرفوع»    المملكة ترحب بالعالم    رينارد: مواجهة اليمن صعبة وغريبة    وطن الأفراح    حائل.. سلة غذاء بالخيرات    "الثقافة" تطلق أربع خدمات جديدة في منصة الابتعاث الثقافي    "الثقافة" و"الأوقاف" توقعان مذكرة تفاهم في المجالات ذات الاهتمام المشترك    أهازيج أهالي العلا تعلن مربعانية الشتاء    حملة «إغاثة غزة» تتجاوز 703 ملايين ريال    شرائح المستقبل واستعادة القدرات المفقودة    نجران: «الإسعاف الجوي» ينقل مصاباً بحادث انقلاب في «سلطانة»    الأبعاد التاريخية والثقافية للإبل في معرض «الإبل جواهر حية»    أمير نجران يواسي أسرة ابن نمشان    63% من المعتمرين يفضلون التسوق بالمدينة المنورة    منع تسويق 1.9 طن مواد غذائية فاسدة في جدة    العناكب وسرطان البحر.. تعالج سرطان الجلد    5 علامات خطيرة في الرأس والرقبة.. لا تتجاهلها    أسرتا ناجي والعمري تحتفلان بزفاف المهندس محمود    فرضية الطائرة وجاهزية المطار !    «كانسيلو وكيسيه» ينافسان على أفضل هدف في النخبة الآسيوية    في المرحلة ال 18 من الدوري الإنجليزي «بوكسينغ داي».. ليفربول للابتعاد بالصدارة.. وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    لمن لا يحب كرة القدم" كأس العالم 2034″    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    تدشين "دجِيرَة البركة" للكاتب حلواني    مسابقة المهارات    إطلاق النسخة الثانية من برنامج «جيل الأدب»    نقوش ميدان عام تؤصل لقرية أثرية بالأحساء    واتساب تطلق ميزة مسح المستندات لهواتف آيفون    المأمول من بعثاتنا الدبلوماسية    أفراحنا إلى أين؟    آل الشيخ يلتقي ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة    اطلاع قطاع الأعمال على الفرص المتاحة بمنطقة المدينة    الزهراني وبن غله يحتفلان بزواج وليد    الدرعان يُتوَّج بجائزة العمل التطوعي    اكتشاف سناجب «آكلة للحوم»    دور العلوم والتكنولوجيا في الحد من الضرر    خادم الحرمين وولي العهد يعزّيان رئيس أذربيجان في ضحايا حادث تحطم الطائرة    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    مفوض الإفتاء بجازان: "التعليم مسؤولية توجيه الأفكار نحو العقيدة الصحيحة وحماية المجتمع من الفكر الدخيل"    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    إطلاق 66 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العرب في الرواية الاسبانية المعاصرة
نشر في الحياة يوم 28 - 04 - 1999

كان الموضوع العربي حاضراً في الرواية الاسبانية منذ العصور الوسطى، وظل هذا الحضور متواصلاً حتى وقتنا الحالي، كان خاضعاً بالطبع لتذبذبات مختلفة فرضتها تحولات الأحداث. هذا التواصل المتذبذب كان بالتالي من العناصر المميزة للأدب الاسباني الحيوي خلال تشكله الطويل والمعقد طوال العصور الوسطى، بل أكثر من هذا، فانه يتعلق بظاهرة أبعد من الموضوع الأدبي، ويصل الى مستويات مادية ورمزية راقية في الكثير من المظاهر المثالية والتركيبية التي تتخذ مساحات جدلية. ويمكن اكتشافه في أسماء كبرى محددة.
ويكفي ذكر الملك الفونسو العاشر العلامة، ورجل الدين رامون لون. انه يتعلق بفعل جوهري خاص بالفطرة الاسبانية، يتم طواعية واختياراً وليس من قبيل التقليد، ويعبر عن هذا جيداً البروفسور ماركيث بيانويبا في إشارته الى الفعل الفطري: "ان يعتاد الملك العلامة على "تكرار" شخصية السلطان أو احد ملوك الطوائف شيء مفهوم ولكنه ما لم يفهم بعد ان هذا التقليد أو "التكرار" لم يكن مصادفة، ولا يتعلق بظاهرة التقليد الأعمى".
والأمر الذي لا خلاف عليه ان الثقافة الاسبانية تكون جزءاً من الثقافة الأوروبية الغربية، بخصوصيتها وتفردها. ولا خلاف على ان أكثر مناطق تفردها يمكن فهمه من خلال تداخل وبقاء عناصر غريبة في الثقافة الاسبانية، لكنها تأقلمت معها في ما بعد، ومن بين تلك العناصر العنصر العربي الاسلامي الذي لعب دوراً خاصاً وظاهراً، وشكلها في الكثير من جوانبها.
من هنا فان غربية اسبانيا التي لا خلاف عليها تكونت في ظل وضعها المتفرد، ليس على مستوى الشكل فحسب، بل أيضاً على مستوى الكثير من محتوياتها. وهذا واضح وجلي في مجال الأدب ويشكل استمرارية. وتمكنت "لوثي لوبث - بارلت" من تتبع اثر الاسلام في الأدب الاسباني من خلال تحليل في عنوان "تفرد غربية اسبانيا". ومن العبث نفي هذا الواقع الموضوعي، لأن الجمعي علامة على الثراء والخصوبة.
الموضوعات والعناصر العربية لا يزال لها حضورها الواضح، سواء على مستوى الكم او الكيف. فخلال فترة ازدهار الأدب الاسباني، أي خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر التي تعتبر فترة الكلاسيكية الحقيقية في أدبنا، تشكل الموضوعات العربية لب وفحوى التعبير الأدبي، ومثالها الشكل المعروف باسم "الرواية الموريسكية"، النابع والناتج عن السياق المأسوي للفترة التي كانت تعني النهاية الرسمية "للاسلام الاسباني" سقوط غرناطة.
في الواقع، فان أعمال كبار الكتاب الاسبان في العصر الذهبي، كانت تلمس بطريقة ما الموضوع العربي، تستدعيه وتعكسه. ولا يمكن نسيان المثال الأكثر خصوصية في هذا المجال: ميغيل دي ثربانتيس سابدرا، الذي يعتبر أكبر الكتاب الاسبان في كل العصور، يعكس بشكل مثالي ذلك العنصر العربي الاسلامي في أعماله وحياته.
يمكن أيضاً تبين الظاهرة نفسها خلال فترات تالية.
شهدت فترات الرومانسية والحداثة، كما في مجموع النتاج الأدبي الاوروبي، المزيد من التوجه" البحث عن طريق للهروب الى مناطق للغرابة، فوجدت نفسها في "استشراق" شره لا يشعر بأي نوع من التناقض في مزج الاكتشاف الجماعي الايجابي والفعل السياسي الاستعماري السلبي، والأسماء التي يمكن ذكرها هنا أو الاشارة اليها كثيرة جداً، ويكفي ان نذكر بعضها. وعلينا ان نتذكر الاضافات الاستشراقية لكتاب الحداثة في اميركا اللاتينية، الذين يبرز منهم اميليو غوميث كاريو، ومن بين الكتاب الاسبان الغرناطي الشهير اسحاق مونيوث الذي تم الكشف حديثاً عن كتاباته الروائية من جديد بعدما كان منسياً تماماً.
بعض هذا الاهتمام بالعالم العربي في الأدب الاسباني المعاصر، وما بعد الحرب الأهلية، أشرت اليه في دراسة لي نشرتها منذ سنوات، وفي هذه الدراسة القصيرة المتواضعة التي بين أيدينا الآن سأشير الى الأعمال الروائية الرئيسية التي ظهرت في اسبانيا خلال العقدين الأخيرين، كأمثلة مختارة من انتاج ضخم جداً ومتعدد يجد في الموضوع العربي نقطة انطلاق، ويعتبره قاعدة للعمل والتعبير. وانبه منذ البداية الى أنني لن أشير أبداً الى أعمال الكاتب الأكثر تشخيصاً وقيمة في هذا المجال: خوان غويتيسولو. لأسباب من بينها ان اسمه وأعماله معروفة بشكل جيد - وعن استحقاق - ولأن اشارتي الى أعمال أخرى ليست على هذا المستوى، ولكن بعضها لكتاب من الدرجة الأولى، ويمكن مقارنتهم في أعمالهم الكاملة بأعمال خوان غويتيسولو، ومن الممكن ان تكون بعض مظاهرها أكثر تميزاً منه، وهذا سيكون جديداً بالنسبة الى القارئ العربي.
***
كررت كثيراً أنه من أجل النظر الى العالم العربي وتمثله، فان الاسباني غير مطالب بالنظر الى الخارج، بل يكفيه ان ينظر الى داخله، المساحة في جزء منها تبدأ من داخل أنفسنا، وهذا يفردنا بين الشعوب الأوروبية الغربية الأخرى، أشير بالطبع الى "الواقع الأندلسي" انه اسباني عربي بروحه ومعناه، نتقاسمه مع العرب كماض وميراث مستمر، كذاكرة جمعية، وأيضاً يجب المحافظة عليه في أعلى درجاته، كمشروع ثقافي يتخطى الزمان والمكان، الأندلس انتهت كواقع تاريخي، لكنها تبقى كواقع رمزي سبباً لا يبارى للقاء والتأثير المتبادل، لأنها تمثل مجموعة علاقات يمكنها ان تربط بين جانبين، انها أساس جدلي وتكاملي لا يقارن، وقد فكرنا في هذه النقطة أقل مما تستحق، كعرب واسبان وكان علينا ان نفعل أكثر من ذلك، بهذه الجدية والموضوعية المطلوبة.
لأحد أكبر مشاهير الأدب المعاصر انطونيو غالا رواية عنوانها "المخطوط القرمزي" وهي مستوحاة من شخصية ابو عبدالله الصغير الذي يسميه الاسبان "بو عبدل". كتب غالا في هذه الرواية مرثية أندلسية خالصة، روايته كانت بكاء وغناء للأندلس التي كان يمكن ان تكون ولم تكن، وعلى النسق نفسه اسبانيا التي كان يمكن ان تكون ولم تكن.
الرواية مكتوبة بنثر جميل، سهل ومشع، وأحياناً مثقل بالأوصاف الرائعة. يرسم غالا في روايته مأساة رجل، يتعاطف معه بشكل شبه كامل، يتعاطف مع زمنه ومع مجتمعات أخوية متصارعة في الوقت نفسه، متقاربة ومتباعدة، في حال تحول واندماج وانفصال في آن واحد. يبدع غالا عالماً قرمزياً بشكل حقيقي - أي في أعلى درجات احتدامه - ليس فقط بسبب العنوان، بل بسبب العاطفة المسكوبة في الرواية وتعصف بشخصياتها، بسبب أنها الدماء التي تغذيها، والجروح المفتوحة التي تعتبر سبب بقائها.
في العام نفسه 1990 نُشرت في غرناطة رواية للكاتب كارلوس اسينخو سيدانو تعتبر أيضاً مرثية لشخصية تاريخية كان لها واقع مأسوي وهي في عنوان "ابن أمية، ملك الأندلسيين"، وكما يعبر العنوان، فان المؤلف يستوحي عمله من مأساة لأحد أحفاد الأمويين القرطبيين المنتصرين، وكان معروفاً باسم السيد "دون فرناندو دي فالور دي قرطبة" فرناندو شجاع قرطبة، عاد بعد ذلك الى اعتناق الاسلام بقرار ذاتي وقاد الموريسكيين المضطهدين المتمردين في "البوخارا" ضد الملك فيليبي الثاني، فحصلت حرب أهلية اسبانية كانت لها آثار عميقة. وكما قال احد المتخصصين في هذا الموضوع، كانت حرباً مفجعة استمرت لعامين، مما دفع الملكية الاسبانية الى ان تستخدم في تلك الحرب جيوشاً وقادة من أفضل ما تملك من عسكريين، وتسببت في حال استنفار لدى الجانبين: الاسلامي والمسيحي. هذا الملك الأخير للأندلسيين "ابن أمية" مات غيلة على يد جماعة من أتباعه.
وللكاتب "فيليكس أثوا" قصة اعتقد انها تستحق الاهتمام وهي في عنوان "منصورة" برشلونة 1983 وكما يقول المؤلف نفسه الرواية رؤية حرة، الى نص فرنسي يعود الى منتصف القرن الثالث عشر، من تأليف جين دي جوينفيل، وتحكي مغامرة ومعاناة حملة صليبية قطالونية في الأراضي المقدسة، المشهد بالتالي هو تلك المواجهة بين الاسلام والمسيحية، ليس في شبه الجزيرة الأيبيرية بل في المشرق، وهو ما يعتبر جديداً وغير مألوف في المشهد الروائي والثقافي الاسباني.
كتاب أثوا يتفرد بإسلوبه واعادة كتابة رواية تعود الى القرون الوسطى والموضوع مثير على المستوى المعجمي فالموضوع مطروح من خلال رؤية شخصيات مسيحية، لكن المظاهر السلبية والايجابية في مجملها، في رأيي، تتكرر بطريقة عادلة، رواية أثوا لا تعكس يأساً قديماً، بل تعكس أيضاً، كما قال النقاد، يأساً معاصراً، يأس جيل المؤلف نفسه.
أعمال الكاتب الكبير فرانثيسكو اومبرال تعد من الأعمال الضخمة، ويشير فيها اومبرال بشكل متكرر هنا وهناك، الى استدعاءات وإشارات تؤكد اهتمامه بما هو عربي، وأيضاً بما هو يهودي، وهذا يؤكد ان همه الأساسي هو: اسبانيا وما هو اسباني. وروايته "بريق أفريقيا" برشلونة 1989 دليل جيد على المغامرة الاستعمارية الاسبانية البائسة في المغرب من خلال رؤية قشتالية تعتبر سياقاً مناسباً في تلك الرواية لتقصي تناقض الفطرة المعقدة للشعب الاسباني، الذي يسبح في مشاعر متناقضة، محاولاً العثور على تشكيل جدلي صعب جداً من المستحيل تحقيقه دائماً.
أعمال اومبرال تكشف عن استاذية في الكتابة النثرية، عن عمق التفكير الجمعي المرتبط بالشخصية الاسبانية. ومن المؤسف حقاً ان اومبرال لا يزال مجهولاً في البلاد العربية، فهو يشهر دائماً باسبانيا المنتمية الى الاتحاد الأوروبي وتطارد العرب واليهود، نمضي والتاريخ نطاردهم كانوا يدرسون الرياضيات، لهذا طردتهم الملكة ايزابيل. كان المسلمون والعرب يعرفون ثقافة الماء ونحن لا نعرفها، وبدلاً من التعلم منهم وتمثل ثقافتهم، طردناهم من اسبانيا، بقينا مع ترينتو وتوركيمادا، ورفضنا الاصلاح…".
الحاضر
لنترك الأعمال والأوضاع التي تتعلق بالماضي بشكل او بآخر، لنتناول الحاضر، المساحة العربية بالنسبة الى الروائي الاسباني ليست هدفاً، ولا حتى عاطفته او إثارته، كما كان في الماضي، إذن هي المساحة نفسها المتنازع عليها بشكل او بآخر، والمتقاسمة بشكل أو بآخر، لكنها دائماً مشتركة، سواء بالرضا أو بالكراهية، المواقع محددة الآن بشكل كبير، كل في المكان الذي يستحقه، وعند تغيير إطار العلاقة يتغير هذا الوضع، وتجري عليه تعديلات ولنر كيف يتم هذا، ولو كان بشكل مختصر وموجز، من خلال بعض الروايات التي ظهرت خلال العقدين الأخيرين.
ظلت المساحة العربية استلهاماً لبعض الروايات التي يمكن تسميتها رواية المغامرات، وبالتالي فهي أقرب الى الانتاج السينمائي او التليفزيوني، انها تلك الحكايات او القصص التي يمتزج فيها الحب بالجنس والخمر والتغريب، من خلال مزيج غير محدد المعالم، قصص تخضع لسيطرة العادي ولا تضيف شيئاً الى الفن الروائي، كما في نتاج البيرتو فيلاثكيث فيغوروا، الذي قد يكون أفضل ممثل لهذه الظاهرة في الأدب الاسباني المعاصر، وهناك أكثر من فيلم سينمائي تم استيحاؤه من خلال هذه الظاهرة، اذكر هنا رواية "الساخطون" برشلونة 1982 للكاتب الأقل شهرة جيميني خمينيث أرناو.
أما رواية "مؤامرة الخليج" للكاتب فرناندو شوارتز فتخضع للنموذج الروائي الأكثر طموحاً، بخلفيتها السياسية الدولية وما يكتنفها من صراعات، خصوصاً في الشرق الأوسط، وحملت الرواية، بسبب عمل المؤلف في المجال الدبلوماسي في تلك المنطقة، جرعة كبيرة من الواقعية، على رغم ان تلك الجرعة تبدو تفصيلية.
انها رواية مثيرة للانتباه، مؤامرة يبدو المؤلف فيهاشبه عراف بكشفه، بشكل جزئي، عن الصراع الذي بدأ في الخليج بعد ذلك بسنوات ويبدو ذلك المزيج من الخيال السابق على الواقع الذي تبرزه رواية شوارتز موحياً.
في الطرف المقابل لروايات "التآمر الخارجي" هناك رواية "التآمر الداخلي" التي تحاول الإجابة على رموز وأوضاع أكثر جدلية، واشكالية وأكثر عمقاً وتعقيداً. وتعبر من خلال شعور وسلوك فردي وجمعي، ومن خلال الإطار الاجتماعي الذي يضم تلك الوقائع. وتتعلق، بالطبع، بروايات أقل تخطيطاً تهتم بالأزمات الداخلية العميقة أكثر من اهتمامها بالأزمات الخارجية والعارضة. تهتم بالصراعات والفوارق بين الأفراد والثقافات المختلفة والقيم المتباينة وتهدف الى تخطيها، والعثور على طرق للحوار واللقاء، وأشكال انسانية حقيقية للتعايش، فالتضامن والعزلة موجودان في وقت واحد ويتمازجان، مما يخلق علاقة معقدة قد تؤدي أحياناً الى سيطرة التآلف والتكامل، من بين أشياء أخرى، والا فانها تؤدي الى الخلاف والقطيعة.
المساحة العربية تفرض نفسها على هذا النوع من الرواية لأسباب كثيرة، ليس بالنسبة الى الكاتب الاسباني وحده بل بالنسبة الى الكاتب الأوروبي الغربي بشكل عام، ومن المناسب التحذير من أن المساحة المغاربية من بين الكل العربي الاسلامي هي الأكثر جذباً للانتباه، وهذا ينطبق على الرواية الاسبانية خلال العقدين الأخيرين.
هذه المساحة المغاربية، خصوصاً المغرب، فلا زالت تشكل طريقاً ومكاناً للهروب الجسدي والروحي، المادي والعقلي، وأيضاً علامة على البحث عن امكانات جديدة ومساحات انسانية، مفتقدة أو على وشك ان تتلاشى في الحياة اليومية للانسان على الشاطئ الشمالي للمتوسط.
في تلك الروايات احساس كبير بغلق عالم وفتح عالم آخر يبدو رمزاً لليأس والأمل.
وكما أشرت من قبل، فان الحبكة تبدو جدلية وتقابلية أكثر منها سطحية وآلية، لذلك وهذا ليس غريباً، بل على العكس تماما، انها روايات تنتمي بشكل واضح الى عصر ملتبس، وأزمة عميقة وظاهرة، عصر يحتاج الى قناعات كبرى جديدة، والى اعادة تنظيم كامل للوجود البشري أي ان تلك الروايات بنات عصرنا. ويبدو لي انه من المفيد دراسة الرواية لاسبانية المعاصرة بالمقارنة مع الرواية العربية عموماً والرواية المغاربية خصوصاً.
ليس غريباً ان يتم في تلك الروايات التعبير بطرق عدة ومن خلال أدوات وأشكال كثيرة انها نوع من الاحساس بالمتوسطية، أو من الأفضل القول الفكر المتوسطي. بالطبع هذا لا يعني شيئاً محدداً، بل هو شيء مستهدف وبديهي، شيء غامض في حالات كثيرة، انه هدف أكثر مما هو افتراض: نجد أنفسنا أكثر في "ما يمكن ان يكون" الذي هو في النهاية "ما هو كائن". انه يتعلق بأمر من المؤكد انه قديم وعميق، يسكن الجحيم الانساني وغير معروف جيداً بكل حجمه وامكاناته، انه شيء انثروبولوجي، في حال تحول دائمة ومعقدة لا تزال في مرحلة الاكتشاف.
الكاتب رفائيل تشيربس، واحد من الممثلين الرئيسيين لذلك التوجه الأدبي، وهو ينجح في التعبير بهذه الكلمات": "اعجابي بالمتوسط لم يولد فجائياً وخلال لقاء غير متوقع، بل من خلال الاكتشاف الحثيث للطبقات الجيولوجية لكينونتي، التي لم أكن أعرف وجودها، أو اعتقد انها انتهت الى الأبد. لم تكن ومضة بل حفراً.
من بين العناوين التي يمكن اعتبارها من هذا النوع من الرواية "ميمون" برشلونة 1988 للكاتب الذي ذكرناه قبل رفائيل تشيربس ورواية "أركايدو والرعاة" مدريد 1986 للكاتب اميليو سولا، انهما روايتان عن موضوع واحد لكنهما تستخدمان تركيباً مختلفاً، وتعكسان الانطباع نفسه: التوجه والبحث عما أشرنا اليه، كل على طريقته، وتوجهه في التعبير والابداع.
اسم "أديلايدا غارثيا موراليس" سيكون آخر الأسماء التي سأذكرها. اننا امام روائية تفاجئ بشفافيتها، خصوصاً في روايتها الأخيرة "نسمية" برشلونة 1986 وفيها تتناول عالماً بسيطاً ومثيراً لامرأة اسبانية معاصرة اعتنقت الاسلام، تطور الكاتبة الروائية عناصر استعرابية أشرنا اليها من قبل، تناولتها بشكل حذر في أعمال سابقة لها مثل "صمت عرائس البحر" 1985. من نثرية دقيقة وهادئة، تضفر المؤلفة في "نسمية" تحليلاً دقيقاً للبطلة، والشخصيات القريبة منها ومن مجتمعها: الجماعة الاسبانية التي اعتنقت الاسلام حديثاً وتعيش في مدينة مثل مدريد. وتعرض الكاتبة تقاطعات التخطيطات والمشاكل والصراعات، بدقة وعاطفية عميقة، تقدم الى القارئ رؤى فريدة، اضافة الى التساؤلات.
قدمت هنا محاولة بسيطة للاقتراب المبدئي من الموضوع المعروض الذي يتخذ أهمية متنامية في الرؤية الأدبية الاسبانية، وأرجو ان تزداد وسائل ونوعية الدراسات التي تبحث في هذا التوجه، سواء من الجانب العربي - حيث يمكن ان تكون هذه الدراسات مهمة وكاشفة - تماما كما في الجانب الاسباني.
المساحة العربية تشكل في الأدب الاسباني المعاصر، وبالتحديد فيما نتحدث عنه الآن الرواية هدفاً للتأمل الخارجي والداخلي. انها هدف للتحليل…
على أي حال هناك الكثير من الحوافز والذرائع المتراكمة، والكامنة التي تتحول الى فعل في حالات عدة، حتى لو كان ذلك بطريقة غير واعية، كجزء من عناصر جمعية كامنة في طبقات عميقة جداً، ولهذه الأسباب تبدو مجهولة تماماً أو منسية، مع ذلك فان هذه المساحة العربية تبدو ظاهرة وليست غريبة عنا، وفي أحيان كثيرة نشعر بها قريبة منا، وتشكل كما هي الآن جزءاً من حساسيتنا. أتذكر أحد التعليقات الرائعة لمفكرنا الاسباني امريكو كاسترو: "الانسان يكون حقاً متحضراً عندما يكون قادراً على ادراك القيم الكامنة تحت ما هو ظاهر، لأنها معبرة ذاتياً عن نفسها…" هذا التعليق يجب ان يكون حاضراً دائماً، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بأي نوع من العلاقة بين العرب والاسبان.
* بيدرو مارتينيث مونتابث Pedro Martinez Montavez
أستاذ الأدب العربي في جامعة الأوتونوما في مديريد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.