يذكرنا كارلوس رويز زافون، في روايته الخامسة "ظل الريح" بغابرييل غارثيا ماركيز، وشهرة "مئة عام من العزلة" التي جاوزت خلال سنين قليلة حدود القارة الأميركية اللاتينية الى العالم. يثير هذا الاسباني الأربعيني - المولود في برشلونة عام 1964 - اهتمام مئات آلاف القراء في ثلاثة عشر بلداً منها الولاياتالمتحدة الأميركية حيث باعت الرواية ثلاثة آلاف نسخة في يومين. وكانت "ظل الريح" صدرت قبلاً في ست وعشرين طبعة باللغة الاسبانية وتسع طبعات في القشتالية، وباعت في الشمال - الشرقي الاسباني، ستين ألف نسخة، مما جعل عدد النسخ المباعة في شبه الجزيرة نصف مليون نسخة. وتبقى المانيا أكثر البلدان الأوروبية التي عرفت فيها الرواية رواجاً خارقاً، إذ نصح بقراءتها المستشار الألماني غيرهارد شرودر في احدى اطلالاته التلفزيونية. وفي نهاية هذا تكون الرواية ترجمت الى ثلاثين لغة منها لغة العدو الاسرائيلي. وكما في رواياته الأربع السابقة المكتوبة للشباب والتي توحي بعض عناوينها بالغموض أمير الضباب، قصر منتصف الليل، ومارينا يتحرك دانييل سمبري، بطل رواية "ظل الريح" في أجواء بوليسية مبهمة، مشحونة بالدسائس والرعب. تدور أحداث الرواية في برشلونة، التي كانت أيضاً مسرحاً لواحد من كتّاب اسبانيا الكبار: إدوارد ميندوزا في روايته "مدينة الأعاجيب" التي رفعت كاتبها الى مصاف الأدباء العالميين في بانوراما الأدب في القرن العشرين. تنفتح رواية "ظل الريح" في فصلها الأول، على جو كئيب، يقع فيه البصر على مقبرة الكتب المنسية، الواقعة في وسط المدينة، يقود حارسها اليها ابنه دانييل في صباح يوم في عام 1945، ليختار كتاباً بين مئات المؤلفات المكدسة على الرفوف والتي يعلوها الغبار. يختصر هذا المشهد جزءاً كبيراً من حياة برشلونة وتاريخ المدن التي دمرتها الحروب الأهلية. ويتجاوزه الكاتب الى رسم ملامح سلبية من واقع هذا العصر: ان مقبرة الكتب المنسية هي رمز لتدمير التاريخ، والذاكرة الفردية والجماعية، وما يحصل في المجتمع المعاصر، المستسلم الى حد كبير للتكنولوجيات السمعية - البصرية، والى الثقافة التجارية التي تتميز بالسطحية. وذلك على حساب الكتاب الجيد، الذي يذكر البشر بإنسانيتهم. هذا الواقع تختصره بياتريس اغيلار، الصبية الحساسة حين تقول: "ان فن المطالعة يموت ببطء شديد، وهو طقس حميم، ان الكتاب هو مرآة نجد فيها صورة ما نحمله في أعماقنا وحسب، نحن نرتقي بفكرنا وروحنا عندما نقرأ، لكننا نكتشف كل يوم أن هذه المنافع أكثر ندرة". تنقلنا رواية "ظل الريح" التي تقع في خمسمئة صفحة، الى برشلونة المنحنية الهامة بعد الحرب الأهلية الاسبانية، والغارقة في جو ضبابي، مملوء بالرعب والكراهية اللذين خلفهما الصراع الدامي بين الجمهوريين والوطنيين"، ويصرّ فيه الغالب على سحق المغلوب. في هذا الجو الضبابي، يتقصى المتبقون على قيد الحياة، آثار ماض دفن بخشونة، ويبحثون عن ملامح ناس اختفوا في الاعصار، وأحباب دفنوا بين الأنقاض. من مقبرة الكتب المنسية، يحمل دانييل كتاباً وقعه كاتب غير معروف اسمه خوليان كاراكس، اختفى قبل سنوات في ظروف غامضة، واختفت معه كل مؤلفاته. وأحرقت يد مجرمة نسخاً أخيرة منها، ولم يبق من بينها سوى الرواية التي وقعت في يد دانييل. تأسر الرواية قارئها، فيتقصى عن حياة كاتبها، مما يجره الى سرداب طويل من المكائد والأسرار المدفونة في روح المدينة. وقد نسجت فيها الأيام قصة حب مأسوية يتردد صداها عبر الزمن، مما جعل بعض النقاد يعتبرون ان الرواية تبقى بدرجة أولى حكاية حب، كما اعتبرها البعض الآخر قصة مغامرات، أو رواية سوداء، أو تجسيداً للصراع بين الخير والشر. لكن "ظل الريح" هي في أعماق الحقيقة كل ذلك. دانييل سمبري هو البطل الراوي، وشخصية فتية، جميل ورائع، ومغرم ببياتريس، الصبية التي تمثل الإحساس المرهف والعفة. ويجسد خافيير فوميرو، رجل البوليس الفرنكوي كل ملامح الشر: انه حقود وقاس، موجود في كل مكان ويعرف كل شيء، وهو بالتالي قادر على تعذيب البشر. تشكل العادات الاجتماعية في برشلونة خلفية الرواية، فنتعرف الى برشلونة الصناعية والبهية في بداية القرن الفائت، بل نتعرف تحديداً الى جزء من المدينة، حيث كان يعيش الأثرياء في منازل كبيرة، ويتنقلون في سيارات فخمة. ولا يخلو وصف الحياة الاجتماعية في ثاني المدن الاسبانية بعد الحرب، من مقاطع ضد رجال الدين، وضد الآباء المؤمنين والصارمين، الذين يسيئون معاملة زوجاتهم وأبنائهم. في هذا الاطار الاجتماعي القاسي، تظهر مومسات يشفقن على عازف موسيقى متشرد، وأجداد شبقون يحلمون بمتعة أخيرة قبل أن يموتوا. واعتبر بعض النقاد ان هذه الشخصيات الأخيرة، زيدت الى الرواية، ولا ضرورة لها، لأنها تثقل الجو الروائي وحسب. ولا بد من الاشارة الى ان كارلوس رويز زافون، يعيش راهناً في لوس انجليس، ويكتب سيناريوات للأفلام، وقد أثر ذلك في طريقة كتابته للرواية، التي ستتحول شريطاً سينمائياً.