السلف الصالح هم القرن الأول من هذه الأمة، وهم صحابة رسول الله صلى الله وعليه وسلم (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)، ثم من جاء بعدهم من التابعين وأتباع التابعين ومن بعدهم من القرون المفضلة، هؤلاء هم سلف هذه الأمة الذين أثنى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، فهم القدوة لهذه الأمة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ومنهجهم هو الطريق الذي يسيرون عليه في عقيدتهم، وفي معاملاتهم، وفي أخلاقهم، وفي جميع شؤونهم. هذا مختصر ما عرفه علماؤنا الأعلام كالإمام عبدالعزيز بن باز والشيخ محمد ابن عثيمين رحمهما الله وأسكنهما جنته والشيخ صالح الفوزان حفظه الله، وهذا ما تناقله علماء الأمة في القديم والحديث. إن من يقرأ هذا التعريف للسلف يدرك أنه منهج وسبيل وصراط مستقيم على الكتاب والسنة، وليس حزبًا وحَكرًا على أناس دون غيرهم يدعونه ويرمون مخالفيهم ظلمًا وفجورًا. إن من تمسك بمنهج السلف الصالح - كما عرفه العلماء - عقيدة وقولاً وعملاً وسلوكًا وفي حياته كلها هو من حقق السلفية، وحق له أن يفخر بها فرحًا بنعمة الله عليه، وأما من خالفها فلو تدثر بها ألف مرة فهي منه براء. يجب أن يكون هدف كل مسلم هو إصابة الحق وطريق السلف متجردًا من حظوظ النفس والهوى. عَنْ العِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ، قَالَ: «وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بَعْدَ صَلَاةِ الغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا العُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا القُلُوبُ، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ تأمّر عليكم عَبْدٌ حَبَشِيٌّ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلَالَةٌ، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ». منهج السلف ينبغي أن يكون اجتماعًا لا افتراقًا، ورحمة لا عذابًا، وصدقًا لا كذبًا، ونصيحة لا فضيحة، وتوسطًا لا تنطعًا، من حقق ذلك فهو سلفي قولاً وعملاً، وليس شعارات جوفاء لا تحقق معناها ومقصودها. السلف ومن سار على طريقتهم جمعوا صفات الخير والبر، سلاحهم الحجة والبرهان والدليل بحكمة ورحمة، قدوتهم إمام الحكمة والرحمة صلى الله عليه وسلم (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إن اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ). في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وآثار الصحابة وسلف الأمة نهي عن سوء الظن (إن بعض الظن إثم) وعن هفوات اللسان، خاصة في إخوانه المسلمين وعن كل خلق ذميم؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أصبح ابن آدم، فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان، تقول: اتقِ الله فينا، فإنما نحن بك: فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا". رواه الترمذي. هذا اللسان الذي أهلك من جعل نفسه وصيًا على المسلمين يكيل لهم التهم ويمشي بينهم بالنميمة والبهتان، وجعل من مجلسه أكلاً للحم إخوانه؛ هذا حاله الخسران، وإن أمهله الله فإنه لا يهمل إنما هو استدراج (إن أخذه أليم شديد). السلفية أطهر منهج وأزكى مضمون وأسلم طريق، لا تضره التهم، ولا تغير حلاوته انتساب الكاذبين، وإذا أردت النموذج الأمثل الذي أمن الفتنة فدونك سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الأطهار (إنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، وأقومها هديًا، وأحسنها حالًا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم) هكذا حدث ابن مسعود رضي الله عنه، وأما من خالف هديهم ؛ فإن أصدق حال له قول الله تعالى (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ) اللهم نسألك السير والثبات على طريقة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته، واغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم، واجعل لنا لسان صدق في الآخرين واجعلنا من ورثة جنة النعيم.