تشارلز سيميك شاعر أميركي صربي هاجر إلى أميركا في سن المراهقة وهو الآن أحد أهم الشعراء الأميركيين.. كتابه ذبابة في الحساء، كتاب مذكرات، صادر عن دار كتب خان وترجمة الشاعرة المصرية إيمان مرسال. من أجمل كتب السيرة التي مرت علي، ربما لأنها كتبت على هيئة نصوص متفرقة، كأنها مجموعة قصص. مقتطفات من حياة ثرية، مليئة بكل شيء؛ الخوف، الحرب، الفقر، التشرد، العنصرية، التسكع، الأسرة، الهرب، التسلل، الهجرة، البدايات الجديدة، الأماكن الجيدة والأماكن السيئة، الكتابة، حب الكتابة، الاشتغال على الكتابة.. كل ما في الكتاب يشد ويجعل من القلم الذي تمسكه كي تضع خطاً تحت العبارات المهمة، غير ذي فائدة، لأنك تريد أن تضع خطاً تحت كل العبارات. يتحدث عن أمه وأفكارها ورأيها في الحرب، الحرب تقوم على أيدي رجال قساة بصفوف من الميداليات تغطي صدورهم التي لم تكبر أبداً. حتى وهو يعبر عن رأي والدته يضعه في عبارات شعرية. يبدو عجيباً وجود شخص لا يريد أن يعرف ما الذي في داخل كل كتاب في هذا العالم. هذه إحدى العبارات التي قالها سيميك والتي تجعلني أفهم لماذا أشعر بهذا التواصل مع هذا الغريب. وكما كل القراء في العالم أشعر أن شخصاً كسيميك يمكن أن يكون صديقاً شخصياً حتى لو لم أقابله في حياتي. ولد سيميك في العام 1938، أمضى طفولته في يوغوسلافيا التي كانت تتعرض للقصف من قبل النازيين والحلفاء في ذات الوقت. يحكي سيميك في الكتاب تفاصيل صغيرة تعطينا فكرة عن حياته، وفي كل حكاية يستطيع شخص أن يجد نفسه في مسألة ما. يحكي مثلاً عند بداية اكتشافه أنه شاعر، حاول أن يكتب شعراً فقط كي يثبت لزملائه في المدرسة أنه يستطيع كتابة شعر أفضل مما يكتبون، ثم اكتشف بعد ذلك أن الكتابة جعلته يكتشف نفسه، ورغبته في التعبير عن أشياء محددة لا يريد نسيانها. "القصائد هي لقطات الآخرين التي منها نعرف أنفسنا" يقول سيميك، وهذا بالذات ما ينطبق على كتابه، كتاب السيرة الممتلئ بالشعر والحقيقة كما يراها، حقيقة العيون المفتوحة والعيون المغلقة معاً، حقيقة كما حدثت، وحقيقة كما عاشها وشعر بها. سيميك الشاعر الذي يريد أن يكتب قصيدة بارعة ككل الشعراء العظماء ويريد في نفس الوقت أن يكتب قصيدة مليئة بالمجاز والصور والوجع، يعرف أنه ليس لديه فكرة عما يفعل، وأن الكلمات تمارس فعل الحب على الصفحة مثل الذباب في الصيف، والقصيدة هي نتاج الصدفة ونتاج القصد بنفس الدرجة. هذا هو تشارلز سيميك. اقرؤوا سيرته وتعجبوا.