سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
صاحب "العصفور الأحدب" يفتح قلبه ل "الوسط" بعد سنوات من الصمت . يهنىء الشاعر الشاب ويكتشف أن صورته مسروقة محمد الماغوط : أنا جملة معترضة في الثقافة العربية ! 2 من 2
عندما أطلّ على الساحة الشعريّة العربيّة، قالوا إنه "ظاهرة عرضية سرعان ما ستزول، بدوي فلاح سيغني بضعة مواويل وينتهي". وها هو الشاعر السوري يقف اليوم بقامته الفريدة، كأحد أبرز معالم الحركة الشعريّة في النصف الثاني من القرن العشرين الشاعر من مواليد 1934. واليوم يعترف الشاعر السوري أنّه خارج دفاتره يضيع، كما أنّه لا يخاف من شيء خوفه من الورقة البيضاء. ذاك هو الماغوط، حين يتحدّث تبدو كلماته خارجة من أحد تلك النصوص التي عوّدنا عليها، شعراً ومسرحاً ومقالةً، نصوصه المسكونة بالرعشة والشفافيّة والغرابة. وكلمات الماغوط اليوم ترشح غضباً وخيبات: "عاملت جسدي طيلة سنوات كخصم، تواطأت عليه ومارست بحقّه شتّى أشكال القمع والارهاب، والآن صار ينتقم مني"! وصفت الشعر مرة ب "الجيفة الخالدة"... - سقراط جيفة خالدة. لعل السؤال الأكثر احراجاً بالنسبة إلي هو تفسير ما اكتب، أو شرحه. لأنني ببساطة يمكن أن أناقض نفسي، كل شعر يحتاج الى تفسير ليس بشعر. هل تقرأ ما يكتبه الشعراء الشباب وما رأيك فيه؟ - قليلاً... وأخاف أن أظلمهم. لكن إذا وقعت على صورة جميلة في قصيدة، أبحث عن صاحبها وأهنئه، وغالباً ما اكتشف أن الصورة الجميلة مسروقة. ما الذي يخيفك؟ - الصفحة البيضاء، هي "سيبيرياي"، لا شيء يرعبني مثل الكتابة، لا المخابرات ولا الصواريخ الأميركية. متى كتبت رواية "الأرجوحة"؟ - كتبتها في العام 1963، أي خلال الفترة نفسها التي كتبت فيها "العصفور الأحدب"، عندما كنت متوارياً عن الأنظار. "العصفور الأحدب" أخذت مني أقل من عشرة أيام، وكنت قد كتبتها كقصيدة من ثلاثة فصول، ثم سألت سنية: المسرحية كم فصلاً؟ فقالت: أربعة فصول، فكتبت فصلاً رابعاً. "الأرجوحة" كتبتها بعد ذلك مباشرة وكانت أشبه بالسيرة الذاتية. بعد أن حل الموضوع وكفوا عن ملاحقتي، تركت "الأرجوحة" عند أمي لمدة 25 عاماً. ثم صدرت "الناقد" وطلب إليّ رياض نجيب الريس ان أكتب فيها، اقترحت عليه تلك الرواية فرحب بالفكرة ونشرها على حلقات. ألم تعدل فيها بعد هذا الزمن؟ - لا، نشرتها كما هي. حاولت اكمالها فلم أستطع، من الصعب استعادة الانفعالات القديمة. لكن المشكلة التي واجهتني عندما استعدت المخطوط هي مسألة الخط، فخلال تلك الأيّام كنت أكتب بخط صغير غير مقروء، تحسّباً من وقوع النص بيد الأمن. لذا تعذبت كثيراً، بعد كل ذلك الوقت، في فك رموزه. ومتى نشرت مسرحيّة "العصفور الأحدب"؟ - نشرها توفيق صايغ العام 1967 ثم ترجمت إلى لغات عدّة. أول قصيدة نشرتها في مجلة شعر؟ - طلب مني يوسف الخال قصيدة، فقلت له غداً تكون عندك، وفي ليلة واحدة كتبت "حزن في ضوء القمر"، وقد فوجئ يوسف الخال بالأمر، وكذلك حدث مع قصيدة "الخطوات الذهبية". وقصيدة "القتل" كيف كتبتها؟ - "القتل" لم تكن قصيدة، كانت مذكراتي في سجن المزة، قالوا لي هذه قصيدة فقلت فليكن، ونشرت كقصيدة. متى ترجمت لأول مرة؟ - في الخمسينات ترجم صلاح ستيتية بعض قصائدي إلى الفرنسيّة. وكتب مقالاً بعنوان "انصافاً لشاعر"، دافع فيه عني ضد محاولات التجاهل والاستخفاف بما أكتب. من كان وراء تلك المحاولات؟ - لا يهم ذكر أسمائهم. قالوا يومذاك إن محمد الماغوط ظاهرة عرضية سرعان ما ستزول. قالوا إنّه بدوي فلاح سيغني بضعة مواويل وينتهي. هل تخشى على شعرك من الترجمة؟ - لا مطلقاً، فشعري لا يفقد شيئاً إذا ترجم، لأنه غير قائم على البلاغة. وهذا ما قيل لي عندما صدرت ترجمات بالانكليزية والفارسية والاسبانية والألمانية وأخيراً بالنروجيّة. خجول بطبعي سمعت أنك تجاهلت دعوة الى كندا، قبل أربع سنوات، بمناسبة صدور ترجمة لأشعارك فيها، ولبيت دعوة في الفترة نفسها الى النبطية في جنوبلبنان... - ذهبت الى النبطية، لأنه قيل لي إن فيها الكثير من الشهداء. كانوا يريدونني أن أرى "مكاناً مرتفعاً"، كرد على قولي: "لا أرى في هذا الشرق مكاناً مرتفعاً لأنصب عليه راية استسلامي". قلت ذات مرة لست دكاناً للمقابلات الصحافية. وبين الفينة والأخرى، نقرأ نفياً من طرفك لمقابلة مزعومة، أو تصريح منحول. ما قصتك مع الصحافة؟ - كثيرة هي المقابلات التي تجرى معي من دون علمي، البعض يعتمد على حوارات شفهية، لم أقلها بقصد النشر، والبعض الآخر يعتمد على كتبي، وكما تعلم عندي كتابات كثيرة تعتمد على الحوار، أتحدى أي انسان أن يجلب لي تسجيلاً أو كتابة بخط يدي للحوارات التي أنفي حصولها، أنا أنفي لأن الحوارات لم تجرَ أصلاً. وهذه مشكلة حقيقية اواجهها: أنا خجول بطبعي، قد يأتي أحدهم ويطلب مني اجراء حوار، اعتذر منه، فيطلب إلتقاط صورة تذكارية، وبعد ذلك أرى الصورة منشورة كدليل على صحة الحوار. كتبت في الستينات زاوية في جريدة "الصدى العام" الدمشقية، وكانت كتابة المقالة تستغرق ساعة واحدة. والآن قد تستغرق منك المقالة خمسة عشر يوماً. ما الذي حصل؟ - الزمن لعب دوراً، وكذلك تراكم الهموم والتجارب. صحيح أن الزمن أثر على جسدي ولكنه لم يؤثر على روحي. لقد عاملت جسدي طيلة سنوات كخصم، تواطأت عليه ومارست بحقّه شتّى أشكال القمع والارهاب، والآن صار ينتقم مني. لا توجد عندي حلول وسطى، أنا لا أحب اللون الرمادي إلا في اللباس، أكرهه في الكتابة، والمعاملة والحياة. لماذا أنت دائم الحزن؟ - النشأة تلعب دوراً كبيراً. فأنا عشت في البرد والوحل وبين المقابر، ونشأت وسط تقاليد "غسل العار". كل يوم كنا نستيقظ على خبر امرأة مذبوحة. وكانت الحرب العالمية الثانية. كانت هناك سماء زرقاء أيضاً، وكروم، وأقنية رومانية، وأنا لم آخذ يمين العاصفة أو يسارها، كنت دائماً في قلبها ولا أزال. أكره التنظير نادراً ما تُشاهد مع المثقفين في الأماكن العامة؟ - أكره التنظير، لا أحب أن أسمعه ولا أن أخوض فيه. لا أذكر أنني جلست مع أدباء وتحدثنا في الأدب. عالمي هو الكتابة، أنا خارج دفاتري أضيع. إذا كان عندي رأي، أفضل أن أكتبه على أن أحكيه. نتيجة عزلتك وابتعادك عن ضوضاء دمشق، يعتقد كثيرون أنك تعيش خارج البلاد... - وهناك كثيرون يستغربون أنني اكتب بهذه الجرأة وأنا مقيم في البلد. ومع ذلك أنا أشعر أنني بعكازي في بلدي أقوى من كل صواريخ الأرض، هذا الشعور لا أشعر به في الخارج. أين تكمن متعة الكتابة؟ - قبل كل شيء لا بد أن استمتع شخصياً بما أكتب. إذا اعجب كل قراء الضاد بما أكتب ولم استمتع أنا، أكون أتعس انسان في الوجود. وكيف تتلقى عبارات المديح؟ - لا شيء يربكني مثل المديح. والنقد؟ - إذا كان فيه تحامل يزعجني، ولكن ليس كثيراً إذ سرعان ما أنسى. التفرد له خصوم دائماً، ويجلب العداوات، فالقصير لا يحتمل أن يجلس الى جانبه شخص طويل، والبخيل لا يحب أن يسهر مع كريم. أهم ما في النقد هو عدالة الرأي، فإذا توافرت كان لا بد من احترام ما يكتب. أنا لا اكتسب قيمتي من آراء الآخرين، لا أرتشي ثقافياً، ولا نقدياً. ما الموسيقى التي تستمع إليها؟ - من بيتهوفن وباخ الى صباح فخري وناظم الغزالي، حسب الحالة. أحياناً يكون عندي صوت ربابة بدوية أهم من فاغنر. هل لديك طقوس معينة في الكتابة؟ - لا... أكتب صباحاً أو ظهراً، وأنا جائع، وحتّى في الشارع. سابقاً كنت اعتمد على ذاكرتي إذا أتتني فكرة، الآن لا أتذكر سوى اسمي، عندما تخطر لي فكرة أقف في الطريق وأسجلها. أعتقد أن ثمة خللاً ما في المبدع الذي يتقيد بمواعيد وأشياء ثابتة. اليد التي كتبت فيها آلاف الصفحات، أحياناً لا أنتبه اليها إلا إذا جرحت في المطبخ. لا احتاج لموسيقى أو هدوء حتى أكتب، لا احتاج لشيء. أكره الكتابة وراء مكتب، أو المطالعة في مكان مريح. يجب أن تكون هناك ضجة، أو شجار، أو ازعاج ما. أجمل نصوصي كتبتها في الحافلات، لذلك تجد في مسوداتي كلمة صاعدة وأخرى نازلة. كانت الطرق حينها مليئة بالحفر، الآن عبّدوها وعبّدوا الناس معها. هل تحب دمشق؟ - دمشق مدينة أنت تحبها وهي لا تحبك. وسبق أن قلت عن دمشق إنها مدينة أعطيتها صدري أربعين عاماً، ولا أجرؤ على اعطائها ظهري ثانية واحدة. أنا لا أحب المدن التي أسكنها بل المدن التي تسكنني، ودمشق سكنتني. دمشق التي أحبها ليست في الطرقات، انها في دفاتري. وبيروت؟ - أيضاً سكنتني. بيروت بالنسبة إلي كانت دائماً أمكنة، وأصدقاء. انها أنسي الحاج، سعيد عقل، عصام محفوظ، رفيق شرف، الرحابنة، نضال الأشقر، سمير صايغ، شوقي أبو شقرا، إلياس الديري وسواهم من رفاق الدرب المبدعين. الآن هناك محاولة لإحياء الوسط الثقافي، وأرجو أن لا يتم احياؤه بالطريقة التي يتم فيها احياء الوسط التجاري. بيروت قارة تعيش في داخلي. هل تحن إليها؟ - الحنين قدر الشاعر والفنان. إنه يشعر دائماً بعدم الاكتمال. الشعر عندي قدر كان الواقعيون الاشتراكيون ينتقدون يأسك؟ - منذ أول طوفان للغوغاء كنت خارج السرب. عندهم الشعر أو الأدب وسيلة، وهو عندي قدر. لا أعرف في هذه الحياة سوى الكتابة، وخارج نطاقها أفسد أي شيء إذا حاولت اصلاحه. أنا جملة معترضة في الثقافة العربية. وحتى الآن لا أعرف ان كنت بكتابتي أهدم أم أبني. ما أعرفه أن ألمي حقيقي، وصرخاتي صادقة، في الوقت الذي يوضع فيه حجر الأساس لأعظم أكاديمية للكذب والتضليل في المنطقة. كيف تنظر الى عصرنا الراهن؟ - هذا العصر ضد الموهبة، إنّه عصر لتفريغ العواطف، لا لشحنها. في اعتقادي ان النظام العالمي الجديد لن يسمح للمبدع العربي خصوصاً، وللمواطن عامة، بتجديد أي شيء. ماذا تقرأ الآن؟ - مزامير داود. هل ندمت على شيء كتبته؟ - لم أندم طيلة حياتي على كلمة كتبتها. قد أشعر بأن بعض الأشياء التي كتبتها في بداياتي لا تعني لي شيئاً، لكني كنت صادقاً فيها. هل أنت كاتب خالد؟ - خلودي كاتب لا يعنيني في شيء، حتى لو احترقت كتبي في الشوارع وتدفأ بنارها الناس، لا أشعر بأي أسف أو حزن عليها. سيّان عند النمر ان أصبح جلده حذاء نسائياً، أم عُلق في صدر قصر. أشبه الصياد بعد نصف قرن من الكتابة، أين أنت وماذا تملك؟ - لا أملك حتى طفولتي وذكرياتي، لا أملك سوى أخطائي. هل تذوقت طعم الفشل؟ - في الأدب لا. ما كان شعورك عندما هاجمك المثقفون من مختلف التيارات، بعد عرض "المارسييز العربي" قبيل الحرب الاهلية اللبنانية؟ - تأكدت انني على حق، لأن المسرحية تنبأت بهذه الحرب وكانت جرس انذار لها. والدليل على ذلك، الاقبال الجماهيري عليها، فقد كان بحد ذاته جواباً على كل الاقلام والتيارات التي هاجمتني. ويومذاك تبين لي بشكل واضح ان الجماهير في واد والمثقفين في واد آخر، ربما في وادي عربة سلفاً. هل هناك علاقة بين الشعر والعقل؟ - انا اشبه الصياد، اشعر بغريزتي وليس بعقلي. كلما تقدّم العقل خطوة تراجع الشعر خطوتين. العاطفة والشعر توأمان سياميان، يعيشان معاً ويموتان معاً والعقل متلصص عليهما. هل تفكر بالموت؟ - لا، هناك الف شكل للموت، المهم انني ما زلت خارج القبر. الى اي حد أنت قلق؟ - في حياتي كلها لم أطمح لشيء، ولم أكن مطمئناً لشيء، او واثقاً من شيء، او سعيداً بشيء. كنت متشائماً عندما كان الآخرون متفائلين، الآن الجميع متشائم... - هذا يعني أن الدنيا بخير... مع الاسف اصبح التشاؤم والحزن والضياع والشرود في المقاهي حرفة، مهنة ومورد رزق الكهولة والخوف "في دمشق كان فضولي كبيراً لسماع شاعر حزن في "ضوء القمر" و"غرفة بملايين الجدران". ماذا يفعل شاعر كالماغوط في مدينة كدمشق؟ بماذا يفكر ويحس؟ وإذا تكلم فماذا يقول؟ كان فضولي كبيراً لسماع الماغوط بعد غياب سنتين. هل ما يزال يقدر أن يكون في عنف ما كان وفي حدة ما كان يوم كان يعيش معنا في بيروت؟ لعل هذا الحوار الذي سجلته معه يعيد الماغوط إلى أذهان أصدقائه في بيروت الذين لا يقدرون أن يروه أو يسمعوه، إما لأنهم ممنوعون أو مانعو انفسهم من دخول دمشق، أو لأن الماغوط ممنوع من العودة إلى بيروت. وهو حديث خاطف لا بداية له ولا نهاية. ما الفرق بين الشاعر الذي كنته في بيروت والشاعر الذي أشاهده الآن في دمشق؟ - في بيروت كانت أقل حركة تدفعني إلى كتابة الشعر، لأني كنت في حنين دائم إلى دمشق. في دمشق اكتب كثيراً، مئات الصفحات، ولكن في الهواء. ما هو آخر فيلم شاهدته؟ - الناصر صلاح الدين. وفي هذا الفيلم اشتقت كثيراً إلى الأفلام الصامتة. ماذا تفعل غير مشاهدة الأفلام ومساكنة المقاهي؟ - انتظار أحلام جديدة وانتظار اليوم التالي للرجوع إلى المقاهي. هل تحب أم كلثوم؟ - أحب فيروز وبعض الأحيان محمد طه. عمرك 32 سنة، ولك مجموعتان شعريتان، ماذا تنتظر؟ - الكهولة. لماذا؟ - في الكهولة يتجمع الخوف من أشياء كثيرة في خوف كبير واحد هو الخوف من الموت. ألا يساعدك الشعر على قهر هذا الخوف؟ - بالعكس، أنه يساعد الخوف عليّ. الخوف والموت جبلان ضد نملة صغيرة. ماذا تشتهي الآن؟ - الموت على ركبة امرأة عجوز في الصحراء. مقطع من حوار لأنسي الحاج مع الماغوط منشور في ملحق "النهار" عام 1966 سلمية سلمية: الدمعةُ التي ذرفها الرومان على أولِ أسير فك قيوده بأسنانه ومات حنيناً إليها. سلمية.. الطفلةُ التي تعثرت بطرف أوروبا وهي تلهو بأقراطها الفاطميه وشعرها الذهبي وظلت جاثية وباكية منذ ذلك الحين: دميتُها في البحر وأصابعها في الصحراء. يحدها من الشمال الرعب ومن الجنوب الحزن ومن الشرق الغبار ومن الغرب.. الأطلال والغربان فصولها متقابلة أبداً كعيون حزينةٍ في قطار. نوافذها مفتوحة أبداً كأفواه تنادي.. أفواه تلبي النداء في كل حفنةٍ من ترابها جناحُ فراشة أو قيدُ أسير حرف للمتنبي أو سوط للحجاج أسنان خليفة، أو دمعة يتيم زهورها لا تتفتح في الرمال لأن الأشرعة مطوية في براعمها لسنابلها أطواق من النمل ولكنها لا تعرفُ الجوع أبداً لأن أطفالها بعدد غيومها لكل مصباح فراشه ولكل خروف جرس ولكل عجوز موقد وعباءة ولكنها حزينة أبداً لأن طيورها بلا مأوى كلما هب النسيم في الليل ارتجفت ستائرها كالعيون المطروفه كلما مر قطار في الليل اهتزت بيوتها الحزينة المطفأه كسلسلة من الحقائب المعلقة في الريح والنجوم أصابع مفتوحة لالتقاطها مفتوحة منذ الأبد لالتقاطها. من مجموعة الماغوط "الفرح ليس مهنتي" آراء في الشعراء شعراء الأرض المحتلة أين تقف أشعارهم من العمل الفدائي نفسه ومن طبيعة التجربة الشعرية لشعراء المقاومة في العالم؟ - مأساة الأرض المحتلة أكبر من شعرهم، معنى هذا ان الشعر في الأرض المحتلة لم يستطع أن يصل إلى مستوى القضية الفلسطينية، ونحن بحاجة إلى فدائيين فكرياً بقدر ما نحن بحاجة إلى فدائيين مسلحين، هناك مناطق عديدة محرمة على الفنان العربي ولا يخترقها إلا الفدائي. والفدائي غير موجود مع الأسف. وشعراء مصر الشباب؟ - الشعر المصري اعتبره نوع من "العتابا" حتى عبدالصبور لا أحس أن له جذوراً قوية، وأنا اعتقد ان الضجة التي تثار حول شعراء أمثال عبدالصبور هي أكبر من مكانته الحقيقية في سلم الشعر. وان الثياب النقدية التي يرتديها فضفاضة وزاهية أكثر مما يناسب المأتم العربي القائم عندنا. وأدونيس في "هذا هو اسمي"؟ - ادونيس شاعر عظيم و"هذا هو اسمي" لم أحبها كثيراً، فهو عظيم عندما يتعامل مع العواطف، أما عندما يتعامل مع الكلمات... وأنسي الحاج؟ - كشاعر لا... أما كناقد فهو ممتاز. يوسف الخال وخليل حاوي؟ - يوسف كان مهماً في مرحلة كان شكل القصيدة فيها مهماً، وبعدما انتصب الشعر الحديث على قدميه، اصيب يوسف بالكساح شعرياً. أما خليل حاوي، فأنا أحترم شعره، إلا أنني احب قصائده ولا اتعاطف معها. واللغط الذي اثاره نزار قباني حول نفسه وأشعاره بعد الهزيمة؟ - نزار شاعر جيد وممتاز، لكنه في قصائذه الوطنية غير مقنع. مقطع من حوار مع محمد الماغوط في جريدة "الراصد" العراقية في نيسان 1970 غاضب "إنه غاضب، وكاشف فذ للعبة الاحتيال والشعارات... وفقير... وتلميذ مصعوق باكتشاف اللاجدوى. وبقدر ما استطاعت هذه جميعاً أن تجعل منه فناناً جعلته بالمقابل لا مسؤولاً. إنه فخور إلى أبعد حد بغروره الشخصي، وكي يظل منتصراً وقادراً على الحياة قام بكنس العالم دفعة واحدة إلى مزبلته الخاصة. كلمات الماغوط كلمات مسلحة بالمخالب والأضراس، ومع ذلك، فإنها قادرة على تحقيق ايقاع عذب ومدهش وأحياناً مفاجئ، كأن يتحول صليل السلاسل إلى عزف منفرد أمام عينيك ذاتهما في لحظة واحدة". غسان كنفاني مقطع من مقال حول مسرحية "العصفور الأحدب" في جريدة "المحرر" في 3 كانون الثاني 1967.