أهمّ ما يميّز الخطاب السياسي السعودي، إضافة إلى مزاياه العديدة هو ثباته ووضوحه وبُعده عن التناقض والمُداورة والمناورة، خطاب رصين عقلاني وراجح ينأى عن الثرثرة والمزايدة، وهو ما أكسبه المصداقية والثقة على جميع المستويات. ولم يشهد هذا الخطاب على امتداد عقوده منذ تأسيس المملكة أي تناقض أو ازدواجية أو ضبابية في التعاطي مع كافّة المواقف والأحداث على اختلاف أهميتها ودرجة جسامتها أو تعقيداتها. ومن يعرف سياسة المملكة منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيب الله ثراه- يصل إلى نتيجة وقناعة مفادها أن نهج ملوك هذه البلاد يتّسم بالوضوح والثبات المنطلقين من قيم أخلاقية راسخة ومواقف عادلة ثابتة لا تتضعضع تحت أي مؤثِّر أو أي ظرف خارجي، ومن هنا فلا غرابة أن يشيد الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالموقف الشجاع الثابت لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -أيده الله- حين أكد لعباس بأن المملكة مع القضية الفلسطينية منذ عهد الملك عبدالعزيز وستبقى كذلك.. وأن الملك سلمان جدد تأكيده بأننا معكم في كل ما تريدون. مثل هذا الخطاب بما يمثله من قوة ومباشرة يعكس النهج الثابت الرصين الذي يعتمد الأفعال قبل الأقوال، لا يزايد ولا يراهن على الأحلام والتوقعات أو الوعود الهلامية، خطاب المملكة في كل مرة يؤكد أنه منحاز إلى كل قضية عادلة لا يبتغي من ذلك الأضواء أو مكاسب إعلامية أو دعائية هو في غنى عنها، حيث أثبتت المواقف والأزمات المعقّدة أن الحنكة والرؤية البصيرة واستبصار واستشفاف الأمور ومآلاتها هي بعض أدوات القوة للخطاب السعودي العقلاني المنطلق من منظومة أخلاقية وإنسانية وقيمية أكسبته الفرادة والحصافة والموثوقية، ولم يكن خطاباً غوغائياً تحريضياً يمارس التسطيح أو الإثارة المفتعلة التي تهدم ولا تبني أو إطلاق الوعود والمكاسب الوهمية التي لا يحصد منها مروّجوها وأتباعهم سوى الخواء. كل قضية تبرز أو خلاف أو تعقيد سياسي يبدو الخطاب السعودي معتلياً ربوة العقلانية، يتعاطى مع الوقائع والأحداث بفكر متّزن ووعي شاسع في رؤيته ويخرج بنتائج ومواقف تثبت الأيام أنها هي الأنجع والأرصن والأكثر جدوى وفاعلية، أما المزايدون ومروجو الأوهام والأراجيف والأباطيل فلا يعدون كونهم بائعي وهم سرعان ما تتهاوى أفكارهم وتخرصاتهم ومواقفهم الهشّة ومزايداتهم اللغوية البائسة.