بانسجام عالمي.. السعودية ملتقىً حيويًا لكل المقيمين فيها    محافظ الأحساء يستقبل الرئيس التنفيذي المعين لشركة مطارات القابضة    إيلون ماسك يحصل على "مفتاح البيت الأبيض" كيف سيستفيد من نفوذه؟    "ماونتن ڤيو " المصرية تدخل السوق العقاري السعودي بالشراكة مع "مايا العقارية ".. وتستعد لإطلاق أول مشاريعها في الرياض    "البحر الأحمر السينمائي الدولي" يكشف عن أفلام "روائع عربية" للعام 2024    أمانة الشرقية: إغلاق طريق الملك فهد الرئيسي بالاتجاهين وتحويل الحركة المرورية إلى الطريق المحلي    الطائرة الإغاثية السعودية ال 20 تصل إلى لبنان    مبادرة لتشجير مراكز إسعاف هيئة الهلال الأحمر السعودي بمحافظة حفر الباطن    نائب أمير الشرقية يطلع على جهود اللجنة اللوجستية بغرفة الشرقية    مشاريع تنموية تنفذها بلدية شري لتعزيز العمل البلدي لعام 2024م    أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    محافظ جدة يشرف أفراح آل بابلغوم وآل ناصر    «الإحصاء»: ارتفاع عدد ركاب السكك الحديدية 33% والنقل العام 176%    السعودية بصدد إطلاق مبادرة للذكاء الاصطناعي ب 100 مليار دولار    أمطار رعدية متوسطة إلى غزيرة على عدد من المناطق    هاريس تلقي خطاب هزيمتها وتحض على قبول النتائج    الذهب يقترب من أدنى مستوى في أكثر من 3 أسابيع    إصابة فلسطيني برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال اقتحام بلدة اليامون    منتخب الطائرة يواجه تونس في ربع نهائي "عربي 23"    العام الثقافي السعودي الصيني 2025    الإعلام السعودي.. أدوار متقدمة    المريد ماذا يريد؟    هل يظهر سعود للمرة الثالثة في «الدوري الأوروبي» ؟    الإصابات تضرب مفاصل «الفرسان» قبل مواجهة ضمك    أمير تبوك يبحث الموضوعات المشتركة مع السفير الإندونيسي    «البيئة» تحذّر من بيع مخططات على الأراضي الزراعية    ترمب.. صيّاد الفرص الضائعة!    القبض على مخالفين ومقيم روجوا 8.6 كيلو كوكايين في جدة    أربعينية قطّعت أمها أوصالاً ووضعتها على الشواية    ترمب.. ولاية ثانية مختلفة    صمت وحزن في معسكر هاريس.. وتبخر حلم الديمقراطيين    «الزكاة»: تنفيذ أكثر من 14 ألف زيارة تفتيش في 30 يوماً    «بنان».. سفير ثقافي لحِرف الأجداد    اللسان العربي في خطر    بقعة صحافة من تلك الأيام    الاتحاد يصطدم بالعروبة.. والشباب يتحدى الخلود    ربَّ ضارة نافعة.. الألم والإجهاد مفيدان لهذا السبب    الجلوس المطوّل.. خطر جديد على صحة جيل الألفية    ليل عروس الشمال    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني وفريق عملية زراعة القلب بالروبوت    رينارد يعلن قائمة الأخضر لمواجهتي أستراليا وإندونيسيا في تصفيات مونديال 2026    الإصابة تغيب نيمار شهرين    التعاون يتغلب على ألتين أسير    الدراما والواقع    يتحدث بطلاقة    سيادة القانون ركيزة أساسية لازدهار الدول    التعاطي مع الواقع    درّاجات إسعافية تُنقذ حياة سبعيني    العين الإماراتي يقيل كريسبو    التكامل الصحي وفوضى منصات التواصل    تقاعد وأنت بصحة جيدة    الأنشطة الرياضية «مضاد حيوي» ضد الجريمة    الداخلية: انخفاض وفيات حوادث الطرق بنسبة 50%    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    تطوير الشرقية تشارك في المنتدى الحضري العالمي    فلسفة الألم (2)    سلام مزيف    همسات في آذان بعض الأزواج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مستقبل الثقافة العربية بعد احتلال العراق

تساؤلات كثيرة مازالت مطروحة على المستويين السياسي والثقافي العربيين لم تجد اجوبة شافية بعد ونحن ندخل الشهر الثالث للاحتلال الانجلو الامريكي للعراق وسقوط بغداد المفاجىء والسريع في 9 من ابريل الماضي وما تبع ذلك من اعمال سلب ونهب لمتاحف وكنوز عاصمة الرشيد والمأمون.. من هذه الاسئلة مستقبل الثقافة العربية ودور المثقف العربي من هذه الاحداث.. (اليوم) استطلعت آراء عدد من المثقفين البارزين.
سقوط الاطروحات
يرى الدكتور والناقد محمد الشنطي انه ليس من الممكن فصل الخطاب الثقافي عن الخطاب العام اجتماعا او اقتصاديا او سياسيا اذ لابد لتسويق اية فكرة في المجالات السالفة الذكر من استثمار الخطاب الثقافي والتوسل به سبيلا الى فرضه او اقناع الاخرين به وكان لابد بعد الحدث المنعطف الذي اسفر عن سقوط مدو لكثير من الطروحات التي روج لها زمانا من المراجعة الشاملة وخصوصا لخطابنا الثقافي الذي اثبت ان ثمة خللا بنيويا في نسيجه العام.
منطلقات نرجسية
ويؤكد الشنطي ان ذلك الخطاب لم يكن تأسيسيا بأية حال من الاحوال بل كان صدى باهتا تابعا غير متبوع على الرغم من قوة وصلابة مرجعية هذا الخطاب ممثلة في ثوابتنا الثقافية المرتبطة بثوابتنا الاساسية حيث ان الممارسات القولية شفاهيا وكتابيا كانت ذات سياق هش لسبب بسيط هو ان كثيرا من مثقفينا كانوا ينطلقون من منطلقات نرجسية ذاتية وهمية انفعالية حينا وانتهازية وصولية حينا آخر ذات بعد استعلائي مقيت كشفت لنا خطابا خواء مزيفا.
المعلومات المغيبة
واشار الشنطي الى الحقائق الصادمة التي اثبتت ان كثيرا من تحليلات المفكرين وتخرصاتهم الاعلامية ورؤى الشعراء وحذلقة المتخذلقين لم تكن تستند على بصيرة واعية مدركة اذ ان البصيرة معلومات والمعلومات غائبة او مغيبة عن عمد وسبق اصرار.
انحيازات صماء
وبين الشنطي ان ثقافتنا كانت اما معادلات فكرية جبرية يصعب ادراكها على المثقف العادي او حوارات جدلية سفسطائية او انحيازات صماء لافكار ومذاهب دون تمحيص جاد كما هي كتابات الجابري التي تتحدث عن بنية العقل العربي الفارة التي لا سبيل الى تغييرها فهي راسخة مكرسة او نغرق في اجتهادات المفكرين الذين يذهبون الى اقصى اليسار تارة والى اقصى اليمين تارة اخرى دون وجهة محددة معلومة بل ان بعضهم كان يغير موقفه من النقيض الى النقيض.
تبديد الطاقة
واوضح الشنطي ان فكرنا الادبي كان اشتاتا من النظريات والمناهج وانفق كثيرا من الوقت وسودت الاف الصفحات من مناقشات بيزنطية حو الحداثة والغموض وحرية الابداع وما الى ذلك فتفرقت بنا السبل وتشعبت وغفلنا عن نسيج خطاب قوي رصين ذي مدرك لطبيعة الواقع واشكالياته وسبل الخروج من مأزقه عبر رؤية جادة وان تعددات زواياها اما ماكان من تساؤلات حيري حول طبيعة الادب وفيما اذا كان مجرد مغامرة لغوية او حاملا لرسالة اصلاحية والوقوف عند رؤى حدية صارمة متقنة فكان هدرا وتبديدا للطاقة لا تحتمله الظروف.
التسامح والرفق
ودعا الشنطي الى اعادة النظر في الاسباب والنتائج وحتى لا تستمر الفوضى الثقافية وما آلت اليه من دور مهمش والتحول الى فلسفة عبثية تبرر الموت المجاني وتخفى الرؤية الانسانية العظيمة لثقافتنا الاسلامية التي تقوم على قواعد ثابتة من التسامح والرفق.
تخليص
من جانبه يرى عضو مجس الشورى الدكتور محمد عبدالله آل زلفة ان تأثير سقوط نظام صدام على الثقافة العربية ايجابي يكمن في التخلص من الحكم الاستبدادي ويعد اكبر مكسب لمستقبل الثقافة.
بل انه نقطة تحول في التاريخ العربي المعاصر على جميع الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية وكذلك الثقافية وأشار آل زلفة الى تاريخ العراق الذي يعود الى اكثر من ستة آلاف سنة انه مهد اصيل لتشكيل الحضارة وتكوينها منذ بدايتها في العالم وهو بموقعه الجغرافي المتميز يربط بين ثقافات وحضارات متعددة.
وكانت فيه عاصمة اكبر دولة اسلامية امتد نفوذها ليشمل مساحات شاسعة في معظم القارات المعروفة في آسيا واوروبا وافريقيا وفيه قامت اكبر حضارة فكرية وعلمية وسياسية وفنية لم يعرف لها العالم مثيلا فيها ازدهرت الثقافة الاسلامية وبلغت اوجها وارقى مستوى عرفه العقل، ومن حضارة العراق وثقافاته نهلت الثقافات والحضارات الاخرى.
فقد الكفاية
وحينما قامت ثورة 1958 وسيطر العسكر على مقاليد الحكم كان العراق من بين الدول العربية الرائدة التي بها الامكانات البشرية المؤهلة والمقتدرة في مجالات الفكر والسياسة والاقتصاد والشعر والرواية والمسرح وغيرها. ولكن الحكم العسكري الذي لم تستقر البلد تحت وطأته كثيرا مالبث ان اختفت رموزه وسيطر على مقاليد الحكم حزب البعث بزعامة صدام حسين وزمرته وهو حزب لا يولي للثقافة كبير اهتمام واعتمد على الكوادر الجاهلة لان هذا النوع من الزعامة يحتاج الى هذا النوع من الاتباع.
من هنا بدأ العراق يفقد اهم كفاءاته البشرية المفكرة لانتشار الظلم والطغيان ومحاربة العقول المفكرة ومن لم يتمكن من اصحاب العقول من الهجرة الى خارج البلاد اصبح ضحية لطغيان الحاكم وتصفيتهم تصفية جسدية او الزج بهم في غياهب السجون الى ان يقضوا نحبهم.
بوابة مشرعة
ويرى آل زلفة ان العراق اصبحت ابوابه مشرعة لعودة ابنائه المبدعين لينضموا الى اهالهيم وذويهم من ابناء العراق العظيم ليشتركوا جميعا في بناء عراق جديد ويساهموا جميعا في بناء مؤسساته السياسية والثقافية والحضارية في ظل نظام سياسي يختاره ابناء العراق في جو كامل من الحرية والمشاركة السياسية لكل طوائف الشعب العراقي وانني لعلى ثقة من ان الشعب العراقي الخلاق المبدع الواعي جدير ببناء عراق جديد بوجه عربي مشرق قادر على بناء ثقافة خلاقة مبدعة لا ثقافة الكرة وثقافة عسكرة المجتمع وثقافة التناحر والتباغض التي زرعها صدام طوال فترة حكمة.
يؤكد الناقد محمد العباس ان الثقافة العربية ستستمر في حيرتها وعطالتها وان العراق الآن ليس مجرد رافعة سياسية للنظام العربي كما يراد له ان يكون بل مختبرا ثقافيا.
ورأى العباس ان الثقافة العربية ستتجزأ الى فرق منها من سيلحق بالاخر المنتصر ماديا اعتقادا منه بان سر انتصاره يكمن في ثقافته وبالتالي لابد من الاقتداء به كنموذج معياري للتحضر فيما ستستمر فئة موغلة في عدائها الصريح للمنظومة الفكرية لذلك الاخر وستحاول التمسك بدعاواها الايدلوجية او اعادة انتاجها في احسن الاحوال تماما كما حدث بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وتفكك تلك المنظومة.
اما الفئة الثالثة فيرى العباس انها تتراوح بين مغريات الفئة الاولى ومثاليات الفئة الثانية ولن تنحسم مراداتها بسهولة لانها لا تنطلق من مبدئية او من حيادية في الرؤية والانتماء الثقافي ولكن وفق موازنات مدروسة ومبيتة تتحكم فيها منازع شخصية وذرائعية وهي على درجة من المرونة او ميوعة المواقف وضبابية الرأي بل انها اقرب الى الانتهازية بمعناها المشتق من دعاوي العقلانية التي تتمادى طروحاتها في مثل هذا المناخ.
ويشير العباس الى ان هذه المراوحة الثقافية ليست جديدة على الثقافة العربية بل هي العنوان الدائم قبالة كل المنعطفات السياسية والاجتماعية, كما حدث مثلا عقب حملة نابليون الذي رآه بعض المثقفين حاجة او ضرورة لحداثة من الخارج, وكذلك وعقب مؤتمر مدريد الذي اعتبر حينها عقلانية او واقعية, واثناء الانتفاضة الفلسطينية حيث انتعشت لغة البيانات الرخوة التي تطالب بحوار حضاري متكافئ مع اخر لا يجيد الا لغة القهر, ويمكن التدليل على ذلك بخطابات محمود درويش او قصائده المتكررة, وبيانات ادونيس بشكل اوضح كبيانه الشهير السيف والوردة.
ويضيف العباس ان هذه اللعبة الثقافية المضللة ستكون عنوانا للمرحلة القادمة ولن تكون الثقافة العربية المنهزمة اكثر عافية ازاء ثقافة الغالب وربما كما نلاحظ اليوم وكما حذر مالك بن نبي سابقا بان طقسا من الجاهزية للاستعمار سيكون اخطر من الاستعمار ذاته, وهو الامر المؤمل انتعاشه في ظل الفوضى العالمية الجديدة ولن يكون التفكير العلني كما يقترح ادوارد سعيد استكمالا لجهود نعوم تشومسكي للتصدي لوحشة الثقافة الليبرالية الا وسيلة لمنع ومصادرة الرأي كما حدث لادوارد سعيد نفسه حيث منعت كتبه في فلسطين.
وعما يمكن القيام به في هذه المرحلة يرى العباس ان الثقافة ليست مجرد رواية او قصيدة تكتب في لحظ انعدام وزن حضاري لتصف الحال والمال بل هي فعل انتاجي نقدي لواقع معاش ومستقل مأمول وهي لا تنتعش الا في ظل نهضة سياسية اجتماعية حقوقية شاملة وهذا امر لا يتوفر الان في الحياة العربية خصوصا بعد ما حدث لعاصمةعربية بحجم وامكانات بغداد وبالتالي لايمكن للوعي كما تمثله الثقافة العربية ان يتقدم الواقع بمثالية فتلك احلام زائفة اقرب الى الرعونة واظن ان الثقافة العربية بشكل عام تحتاج الى فعل التراكم التاريخي ربما عبر مختبر العراق لانجاز قفزتها الضارية المأمولة منذ زمن للفرار من لحظة الهبوط الحضاري او للعودة الى تاريخ طردنا منه بتعبير فوزي منصور.
تفتت المشهد
اما الاستاذ الدكتور محمد الحارثي عضو هيئة التدريس بجامعة ام القرى فيرى ان الثقافة العربية بوجهها في الاصل الخطاب السياسي وهذا الخطاب وجد له دعامة كبيرة ودعاية مكثفة من الخطاب الاعلامي وهذا ما جعل هناك تفتتا واضحا وكبيرا في المشهد الثقافي العربي نظرا للهيمنة العلوية على الثقافة.
النخبة
واشار الحارثي الى ان الحال قبل سقوط العراق سيبقى على ماهو عليه من رؤية ضيقة وسياسة نخبوية وسيستمر الاحتلال للعراق الى عراق جديد لان هناك انعزالا لكل نسق في دائرة ضيقة توجهها المصالح النخبوية وعدم قدرة المثقف العربي على الخروج من هذه الدائرة.
الاسقاط
وبين الحارثي ان الخطابات العربية في عمومها خطابات لا تنبع من القاعدة الشعبية العريضة وفق حاجاتها وتطلعاتها بل تم الاسقاط العلوي والقسري عليها وهو ماكان قبل العراق وسوف يسود.
المفقودات
واوضح الحارثي ان المكتوب على الشعب العربي في هذه المرحلة اعادة احادات المفقودات بدءا بالدولة العربية التي انتهت بسبب الاختلاف بين الحكام حتى تساقطوا واحدا تلو الآخر وسقطت ثقافتهم العربية لانها كانت موجهة ومن الاقل الى الاكثر والمتنفذين الى القاعدة الشعبية.
احادية
وتوقع الحارثي ان تكون الثقافة العربية المستقبلية ثقافة احادية قطرية وليست احادية عربية شاملة لان هناك اصوات تنادي الآن بثقافة الديمقراطية وفق المنظور الامريكي وهذا هو اول ما يقع في الثقافة العربية من اضطراب لانها مبنية على مرجعية شرعية وعربية تاريخية ولا على المنظور الديمقراطي العربي.
الوظيفة الثقافية
ودعا الحارثي الثقافة العربية الى تبني الأفكار التي تنبع من بيئتها وطبيعتها حتى لا تقع امام مفترق طرق لن تهدي الى المسالك الصحيحة الا اذا كانت مبنية على منظور عربي وقائمة على علاقة جديدة من تراثها، ولن يتحقق ذلك الا باجواء حرية التفكير والعقول وسماع الاصوات جميعها وعدم البحث في دوائر الثقافة الضيقة المقيدة بشروط الوظيفة الثقافية لان المثقفين الموظفين سيسقطون وتبقى الغلبة للمثقف الحر.
استبدال ثقافي
يؤكد الدكتور جابر عصفور رئيس المجلس الاعلى للثقافة بمصر ان النظام العراقي المخلوع برئاسة صدام حسين يتحمل مسئولية كل ما آلت اليه الامة العربية خلال العقود الاخيرة.. مشيرا الى اننا ازاء عدوان استعماري جديد مختلف عما عهدناه من حقب استعمارية سابقة في ظل الظروف الدولية المغايرة واننا لا يمكن لنا مواجهة هذا الوضع الاستعماري بالهتافات والصراخ.. داعيا لشكل جديد من المواجهة الثقافية باستبدال ثقافة الماضي بثقافة المستقبل من خلال صياغة مشروع عربي جديد يقوم على التحليل الواقعي المحلي والدولي.. مناشدا الجامعة العربية والمؤسسات الثقافية العربية الاهلية بتفعيل ادوارها في ترجمة ما ينشر عنا والرد عليها ويتفق معه في هذا الرأي الروائي الكبير ادوار الخراط الذي يقول ان ما يحدث هو تأكيد لواقع قديم وتجديد لاستعمار حل ويسطع من جديد مشيراً إلى ان لذلك انعكاسه بالضرورة على الثقافة والادب بشتى تياراته وانواعه.
ويضيف أنه ليس بالضرورة ان يظهر ذلك الانعكاس على نحو مباشر فج ولكن وجود هذا التأثير فيه شكل فني عميق في الاعمال الجيدة بشكل مباشر صارخ في الاعمال التي تنتجها صدمة الحدث وباستقراء الواقع سيكون لهذا الاحتلال تاثير على الابداعات والثقافات العربية مثلما يحدث لكل استعمار ويمكن مقاومة أية تأثيرات من خلال رؤية الفنان وموهبته ومقدرته وبصيرته، ويعتقد الخراط ان هذا الاستقلال له تأثير كبير او سلبي خاصة اذا كان الفن الناتج او الابداع الناتج منه قليل القيمة.
اما الدكتور عبد العزيز حمود فيؤكد على ان ما حدث في العراق هو تمثيلية عسكرية بأقل الخسائر لاحداث تاثير مزدوج على العالم العربي وهو افقاد البعض للثقة في انفسهم واقناع الاخرين بالارتماء في احضان النموذج الامريكي.. قال ان التمثلية هدفها ترسيخ الهيمنة الامريكية على الشعوب العربية ثقافياً وفكرياً.
مشيراً إلى اننا منذ سنوات نعيش في تفريغ الثقافة العربية من خلال تكريس الثقافة الشعبية والاستهلاكية وذلك عبر سيطرة وسائل الاعلام وفنون الترفيه الامريكية وان امريكا تسعى من خلال سياستها في المنطقة إلى ترسيخ قيم جديدة بخلق فراغ ثقافي في المنطقة لانها تدرك ان المقاومة الحقيقية الفعالة هي مقاومة ثقافية في الاساس.
ويدعو د. حمودة إلى تفعيل دور الجامعة العربية ثقافياً لانها الاقدر على مقاومة المخطط الاستعماري الامريكي الجديد مشدداً على ان محاولات امريكا لتغير المناهج الدراسية والتأثير على الشباب العربي ستأتي برد فعل عكسي.
ويحمل المفكر الكبير محمود امين العالم المثقفين العرب مسئولية التصدي للمخطط الاستعماري الجديد من خلال استراتيجية عربية شاملة وفاعلة مطالباً بتشكيل جبهة عربية ثقافية شعبية.. واصفاً الادارة الامريكية الحالية بانها نموذج للثقافة بوجهها السلبي.
أما د. هدى وصفي رئيسة مركز الهناجر الثقافي فتساءلت لماذا السؤال الان عن تأثير الاحتلال الامريكي على الثقافة العربية والعراق يرزخ تحت الحكم الاستبدادي منذ اكثر من ثلاثة عقود وهذا دفع بمواطنيه للهروب مشبه ذلك بما حدث في المانيا في الثلاثينات وصعود النازيين للحكم وقيام الحرب العالمية الثانية، وقالت ان تأثير الصورة التي نشاهدها على شاشات التليفزيون للجنود الامريكيين اعادت للاذهان صور الاحتلال الانجليزي والفرنسي للمنطقة في منتصف القرن الماضي.. مما جعلنا نلجأ لسؤال انفسنا اسئلة مباشرة وفجة لماذا ناضلنا ضد الاحتلال وماذا افادنا التحرر والاستقلال الذي لم يحقق الاهداف المنشودة منه كالديمقراطية على مدى خمسين عاماً تحت الحكم الوطني ووأد طموحات الشعوب العربية وطالبت بتبني منهج يسمح للمؤسسات المدنية ان تقوم بدور فعال مثلما ظهر ابان الازمة في المظاهرات التي اندلعت في انحاء العالم ابان الازمة ودعت المثقفين السوداويين لان يتخلوا عن تشاؤمهم وان يكونوا قدوة للاخرين نحو غد لان الشعوب لا تموت فالانظمة تندثر والشعوب تبقى.
يقارن الروائي خيري شلبي بين سقوط بغداد الاول على يد المغول والسقوط الثاني على يد الامريكان والفرق بين تأثيرهما على الثقافة العربية، فيؤكد ان سقوط بغداد على يد المغول كان تأثيره على الثقافة العربية تأثير رد الفعل الايجابي، فقد كان المثقفون اصحاب الفكر الموسوعي على دراية كاملة بمعظم المخطوطات التي القيت في نهر دجلة، فأعادوا تدوينها من الذاكرة، او قاموا باعادة صياغة او تلخيص لها، فقدموا للثقافة العربية خدمة لا تنكر إلى اليوم، ومع ذلك كانت الخسارة كبيرة، اما اليوم فالدمار شامل على جميع الانحاء ليس لان الثقافة العراقية كرافد من روافد الثقافة العربية اجهضت، وانما لان الثقافة العربية اصبحت في امتحان ومأزق، والثقافة العربية اليوم سيحدث فيها تحول خطير، فالضرب لم يصب بغداد وحدها، وانما اصاب الامة كلها، واصاب اول ما اصاب المثقفين، لان الامة جسد واحد اذا اصيب منه عضو اصيبت بقية الاعضاء وقد اصبح العرب اليوم في وضع مأساوي، ولا بد للمثقفين ان يتأكدوا ان المقصود هو الثقافة والهوية العربية والقرآن الكريم والدين، وكل هذا الميراث اصبح في مهب الريح، ولا اظن ان تأثيراً اشد من هذا يمكن ان تحتمله أية ثقافة في العالم، ورغم ذلك فان الثقافة العربية راسخة وليس من السهل محوها، ولكنها كأي ثقافة عندما تتعرض لغزو من اكبر قوة في العالم فان التأثير لا بد ان يكون سلبياً، وعلى المثقفين ان ينتبهوا ويتمسكوا بهويتهم، والا فانهم لا محالة ضائعون.
السقوط الثقافي
يرى الشاعر الدكتور عبد اللطيف عبد الحليم "ابو همام" ان سقوط بغداد يشبه السقوط الذي تم قديماً على يد التتار، وكذلك السقوط الذي تم لغرناطة آخر ممالك الاندلس، ولعله كان قبل سقوط بغداد الحديث كان هناك سقوط ثقافي، ربما كان سقوط المدينة اثر من آثار هذا السقوط والاضمحلال الحضاري في الامة كلها، ولن يظهر اثر سقوط بغداد بصفة سريعة الا في بعض القصائد والمقالات والتحليلات الفكرية والسياسية، لكن هذا التأثير سيظهر تباعاً بعد ذلك في بعض الاشكال الابداعية من رواية ومسرحية ورسائل جامعية. وهذا السقوط متوقع لانه مخطط له ومقصود، لان هؤلاء يعرفون جيداً مكامن التقدم والثقافة والحضارة لدينا، كما حدث قبل غزو نابليون لمصر، فقد كانوا يعرفون كل شخصية علمية وكل اثر مرموق، كما يعرفون ان هذه الامة لن تنصلح الا بهذا العبث الحضاري، لان ما تملكه كنوز انسانية، وليس ملكاً لها وحدها، وانما للانسانية كلها.. هناك اشياء كثيرة ضاعت منا ولا تعوض، لكننا تعودنا على هذا، فنحن منذ فترات طويلة نتعرض لازمات متوالية. وانني مدرك ان هذه الامة ستعاود نهضتها مرة اخرى وربما لن يراها جيلنا لكنها بالفعل قائمة.
تدمير الحضارة
يرى الروائي الدكتور طه وادي عضو مجلس ادارة اتحاد كتاب مصر ان قوى الغزو اعدت لتدمير الحضارة والثقافة قبل ان تعد العسكر والجنود، اذ لا يعقل ان يدمر المتحف العراقي وتسرق منه جهاراً نهاراً كل اجزاء الحضارة العراقية منذ العهد البابلي، ومن المعروف ان في هذا المتحف بعض الآثار التي تشير إلى الغزو البابلي واسر اليهود واخذهم عبيدا إلى العراق على يد القائد العراقي القديم نبوخذ نصر، فهل يعقل ان اثاراً مثل هذه سرقت بالمصادفة؟ ام ان هناك محاولة لسرقة حضارة العراق وتاريخه، كذلك ما حدث للمخطوطات العربية سواء في المكتبات العامة او مكتبات الجامعات خاصة الجامعة المستنصرية فهل هناك فائدة تذكر لقطاع طرق عاديين من سرقة اوراق المخطوطات؟ ام ان هذا دبر بليل قبل الغزو العسكري؟ وتصل اقصى درجات السخرية عندما نتصور مثلاً ان تسرق كل الحيوانات من حديقة الحيوان ما عدا الاسد والنمر لصعوبة التعامل معهما.. يبدو لي، وهذا لا يحتاج إلى قدر من التأمل ان المطلوب هو ابادة الشعب العراقي، وبالفعل الشعب العراقي الآن شعب بلا اطفال، ولا شك ان شعباً بلا اطفال يعني انه شعب بلا مستقبل، وما يراد هو تدمير الحاضر وتغييب المستقبل ودفنه تماماً.. كل هذه الامور وغيرها - التي يشعر معها الانسان بقدر كبير من المرارة وهو يتحدث عنها - ستقضي على جزء كبير من ثقافة العراق، وبالتالي يفقد العرب ركنا اساسياً في مكوناتهم الحضارية، بل وفي وجودهم القومي نفسه، لان العراق كان يمثل البوابة الشرقية للدفاع عن العرب والعروبة وتحقيق الامن القومي للامة العربية.
الدروس المستفادة
يشير الشاعر الدكتور حسن فتح الباب إلى ان هناك دروساً مستفادة للثقافة العربية مما حدث، حيث يقول: اذا كنا نعيش الآن عصر سقوط بغداد للمرة الثانية فاننا نبدأ عصراً جديداً، نعي فيه الدروس المستفادة من هذه النكبة المروعة، فأولها حتمية لم الشتات العربي، فلولا هذا الشتات ما كانت هذه المحنة، وليس معنى هذا الدعوة إلى الوحدة العربية، وانما يكفي التضامن سياسياً واقتصادياً ما دامت الوحدة مطلباً عزيزاً يتطلب شروطاً تاريخية غير متوافرة الان، والدرس الثاني هو العودة إلى ثقافة المقاومة باعتبارها حصيلة التاريخ العربي كله، ورفع شعار نكون او لا نكون.
ان الشعوب تستطيع اذا تحررت او امتلكت اسباب النهضة ان تحمي الامة، والمفكرون والادباء والشعراء هم ضمير الامة الحي القادرون على تعبئة الجهود وحشد الطاقات لتكوين ثقافة عربية واحدة تمثل قاعدة لبناء حاضر اجمل وغد افضل.
واقترح عقد مؤتمر عام للمثقفين والمبدعين في جميع الاقطار العربية لتدارس اسباب الانهيار والتوافق على الاقتراحات الكفيلة بتحديد دور الادباء في المرحلة الحالية، على ان يضم هذا المؤتمر ممثلين للجمعيات والاتحادات والمنظمات المدنية، حتى تنشط هذه المؤسسات وتقوم بدورها في توعية شباب الامة بالحقائق التي اسفرت عنها هزيمة العراق، وعدم الاستسلام لمشاعر اليأس والاكتئاب.
وحول تدمير تراث العراق اشار إلى ان هذه خسارة فادحة، ليس للعراق والامة العربية فقط، وانما للعالم اجمع، ويمكن التضامن مع اليونسكو وسائر المؤسسات الدولية المعنية لضبط الجناة واسترداد المسروقات.
محمد العباس
جابر عصفور


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.