أوصت دراسة حديثة، قدمها منتدى الرياض الاقتصادي أمس، خلال دورته التاسعة، باتخاذ إجراءات وتنفيذ خطط وبرامج كثيرة، لتشجيع الهجرة العكسية، وتخفيف الضغط السكاني عن المدن الرئيسية والمراكز التابعة لها، مشددة على أهمية التوازن في توزيع الخدمات على جميع المناطق بلا استثناء، للتخلص من الزحام والتكدس في المدن الكبرى. واستعرضت الدراسة خلال جلسة المنتدى التي عقدت برئاسة نائب وزير الاقتصاد والتخطيط فيصل بن فاضل الإبراهيم، وقدمها مدير عام مركز التراث العمراني الوطني م. بدر بن ناصر الحمدان، وشارك في مناقشتها د. محمد بن سليمان السكران أستاذ علم الاجتماع الريفي. و د. عزيزة بنت عبدالله النعيم أستاذة الدراسات الاجتماعية وفي هذا الإتجاه، أكد نائب وزير الاقتصاد والتخطيط فيصل الإبراهيم أن هنالك فرصة ثمينة لدراسة أسباب وأنماط الهجرة الداخلية وأثرها من خلال مشروع التعداد السكاني الذي سيطلق قريباً، وذلك لدعم استراتيجية المناطق. وقال إننا حريصون على موضوع الدراسة حيث نعتبرها لبنة أولى تجاه دراسات أخرى ستتم بدعم من الوزارة للوصول إلى الحلول التي يمكن تطبيقها، وتلك الدراسة لعلّها ستكون محل اهتمام العديد من الدول. وطرح الإبراهيم عدة تساؤلات، هل الهجرة العكسية مطلوبة أم إتاحة الفرص هو أساس النجاح، وهل التنمية المتوازنة هدفها الهجرة العكسية، وهل نجح ضخ استثمارات ضخمة في مناطق ريفية؟، وهل هناك حد أدنى من التخطيط والتنمية المناطقية التي يجب التركيز عليها مثل، التعليم والصحة والنقل بحيث تترك القطاعات الأخرى بحسب الميز التنافسية والنسبية لكل منطقة. وزاد أن التوجيه الكريم هو الالتزام بمقومات التنمية المتوازنة وذلك ما نعمل عليه للوصول إلى حلول يمكن تطبيقها ومشاهدة أثرها بشكل فعال. من جهته، أشارت أستاذ الدراسات الاجتماعية الدكتورة عزيزة النعيم أن الانتقال من مكان النشأة إلى مكان آخر يعد هجرة داخلية وفي الوقت الحاضر، الهجرة الداخلية هي أحد مظاهر التغيّر الاجتماعي والاقتصادي في المملكة ورافد مهم لتنمية المناطق واستمرار نموها. وقالت إن من الآثار السلبية على المناطق الأكثر نمواً هو الازدحام السكاني والتضييق على الخدمات والبنى التحتية وكثرة المشاكل الاجتماعية والنفسية والصحية، يضاف إلى ذلك، فقدان المناطق التي ينزح منها السكان لعناصرها الشابة، وضعف الخدمات بسبب قلة السكان. وأضافت النعيم، في الغالب يغادر المواطن السعودي مكانه الأصلي للبحث عن فرصة للعمل أو لإكمال التعليم، وطالبت النعيم، بعض الجامعات بإعادة بعض استراتيجياتها لخدمة المجتمع. وأكدت النعيم، ظهرت عدة تصنيفات للمهاجرين العائدين إلى مناطقهم الأصلية، هناك تصنيف يرى أن هناك أشباه مهاجرين وهم الذين بيّتوا النية للعودة وهجرتهم كانت من أجل المغامرة وتحصيل مبلغ معيّن ومن ثم الرجوع مكانهم الأصلي وشراء أرض زراعية وهناك المهاجرون الدائمون، وهؤلاء في نيتهم البقاء ولكن عندما يصابون بالإحباط يضطرون للرجوع، وهناك المهاجرون المتنقلون وهؤلاء يتصفون بصغر السن يتنقلون للحصول على فرصاً أفضل. إلى ذلك، أكدت الدراسة على ضرورة إنشاء المشروعات الإنتاجية في المدن الصغيرة والمتوسطة والمدن الجديدة، والتركيز على الصناعات ذات القيمة المضافة، والاستفادة من الدعم الحكومي للمناطق الأقل نمواً لتشجيع الهجرة العكسية وتحقيق التنمية المتوازنة. إلى ذلك أوضحت الدراسة تركز الخدمات والمشروعات الاقتصادية في المناطق الرئيسة في المملكة، مما أدى إلى تركّز السكان في تلك المناطق، وهجرة سكان الريف من مناطقهم ضعيفة التنمية إلى المناطق عالية التنمية، مما أدى إلى تزايد نسبة سكان منطقة الرياضومكةالمكرمة والمنطقة الشرقية الى نحو 66,6 % من مجموع سكان المملكة. وتستحوذ المناطق الثلاث الرئيسة على نسبة 77 %، من قيمة القروض الصناعية، بينما تتركز الخدمات والمشروعات الاقتصادية في المناطق الثلاث الرئيسة (الرياض، مكة، الشرقية)، وبلغ إجمالي عدد المنشآت بالمناطق الثلاث الرئيسة 301،383 منشأة تمثل نسبة 66.8 % من إجمالي تعداد المنشآت بالمملكة. وأشارت الدراسة، إلى انخفاض نسبة الملكية في المناطق الثلاث (الرياض، مكةالمكرمة، المنطقة الشرقية)، بسبب التركز السكاني، وارتفاع تكاليف تملك العقار بتلك المناطق. وبينت الدراسة، أن المناطق الثلاث الرئيسة تساهم بنسبة 74 % في الناتج المحلي الإجمالي مع استبعاد النفط والغاز، وباقي مناطق المملكة الإدارية تساهم بنسبة 26 %، وتساهم منطقة الرياض بنسبة 29 %. وشددت الدراسة التي حملت عنوان "دور التنمية المتوازنة في تشجيع الهجرة العكسية وتحقيق التنمية المستدامة والشاملة في مناطق المملكة" على الاهتمام بالقطاعات المختلفة، مثل الصناعة والصحة والعقار والنقل وغيرها، مما يعزز من فرص استقرار السكان ويشجع على الهجرة العكسية لتلك المناطق. وعلى مستوى القطاع الصناعي، أوصت الدراسة بنشر وتأسيس المشروعات الإنتاجية في المدن الصغيرة والمتوسطة الجديدة، إضافة لتوفير الطاقة وتطوير وسائل النقل للمناطق الأقل نمواً، وعقد شراكات واسعة النطاق لتوفير السكن بأسعار تتناسب مع محدودية ومتوسطي الدخل. وعلى مستوى القطاع الصحي، أوصت الدراسة بزيادة الدعم المالي المقدم من قبل الدولة للمستثمر الوطني في قطاع الرعاية الصحية، من حيث زيادة حجم القروض وشروطها، والعمل على وضع حد أدنى للأجور في مؤسسات القطاع الخاص، لتشجيع الكوادر الوطنية للعمل في القطاع الصحي الخاص. وعلى مستوى قطاع التعليم، أوصت الدراسة بتفعيل الوظيفة الثالثة للجامعات، والتعامل معها كوظيفة أولى، موجهة ومحركة لوظيفتي التعليم والبحوث. وتتلخص التوصيات والمبادرات في مجال العقار في تحفيز المطورين العقاريين في القطاع الخاص من خلال إصدار تصاريح المسار السريع، بالتعاون مع وزارة الإسكان، وتقديم التمويل اللازم لإقامة مشروعات الإسكان في المناطق الأقل نمواً، بإنشاء مساكن بأسعار معقولة، ومشاركة الدولة في عملية التمويل. وفي قطاع النقل، أوصت الدراسة بالاستفادة من المشروعات العملاقة، مثل نيوم والبحر الأحمر وإنشاء خطوط وطرق سريعة، لإيصال السيّاح والموظفين لها، وفيما يخص قطاع البيئة، أوصت الدراسة بتقليل الاعتماد على البترول كمصدر وحيد للطاقة، والبحث عن مصادر جديدة، للتقليل من التلوث وفرض رقابة صارمة على المصانع والمنشآت التي تنتج مواد كيماوية وبترولية ذات تأثيرات ضارة على البيئة.