القائد السابق لفيلق القدس خدم القاعدة وداعش وحول الحوثيين لميليشيا متمردة * ما أبرز جرائم قاسم سليماني؟.. وهل يؤثر اغتياله على مستقبل النظام الإيراني القمعي؟ * بعدما بدأ حكم الخميني، انضم سليماني لقوات الحرس، وفي العام 1980 تولي قيادة قمع أهالي كردستان وارتكب جريمة كبري مستخدما قوات الحرس التابعة لمحافظة كرمان (قوات غير محلية) في قمع الاحتجاجات بمحافظة كردستان، ومع بدء الحرب المعادية لوطننا مع العراق، تولى بدايةً قيادة لواء ثأر الله، وبعد فترة تحول هذا اللواء لفرقة ثأر الله، وخلال الحرب العراقيةالإيرانية، ارتكب سليماني أكبر جريمة باستخدام الشبان الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً، بشكل واسع لكسح حقول الألغام وتنظيفها. وفي العام 1997، تولى سليماني قيادة فيلق القدس، وبعد محكمة ميكونوس وإدانة قادة النظام، اضطر سليماني لتغيير توجهات قوة القدس من الاغتيال والخطف في أوروبا وأميركا، إلى البلدان المسلمة وخاصة دول المنطقة، وكان سليماني مخطط مشروع التدخل في بقية الدول. أول إجراء لقاسم سليماني أثناء قيادة قوة القدس في العام 1997، أنه أبعد حسين الحوثي، الذي كان على علاقة مع فيلق القدس منذ العام 1991 وكان يعمل في حزب الحق السياسي، أبعده عن هذا الحزب، وأسس جمعية الشبان المؤمنين، التي كان يسعى لتشكيلها وتنظيمها على نموذج حزب الله اللبناني في صعدة اليمنية. وبعد أحداث 11 سبتمبر 2001، حوّل سليماني توجه جمعية الشبان المؤمنين، التي كانت ولا زالت تعمل حتى ذاك التاريخ مع الحكومة اليمنية، للعمل ضد الأميركيين، وهذا ما يعتبر أحد محاور جرائم قاسم سليماني مع الحوثيين في اليمن خلال هذه الأعوام. وخلال عملية امتدت لعدة سنوات، حولها لقوة تعمل بالوكالة لصالح النظام الإيراني. وعقد سليماني علاقة مع تنظيم القاعدة، ووفر لإرهابييها سبل العبور والتنقل من خلال إيران، بما في ذلك تنقلات وعبور إرهابيي 11 سبتمبر. ومنذ العام 2003، خطط قاسم سليماني لفرض هيمنة نظام الملالي على العراق، مستخدماً أكثر من 32 ألف مرتزق ومتلقي أجور عراقي، وبالتعاون معهم تولى فرض هيمنة وسلطة النظام على العراق خلال تلك السنوات. وأسس مع «أبو مصعب الزرقاوي» المرتبط مع القاعدة الحكومة المتطرفة في العراق، وأطلق فيما بعد ما يسمى بداعش من خلال خطة تحرير «أبو بكر البغدادي» من سجون العراق، وتحرير معتقلي القاعدة في سورية على يد بشار أسد. وباختصار يمكن القول: إن حكم نظام الملالي ارتكز على أساسين هما القمع والإرهاب خلال هذه الأعوام، وقاسم سليماني هو المنتج رقم واحد الذي تربى على يد هذا الجهاز، لذلك لا بديل له، وقتله يعتبر ضربة استراتيجية لخامنئي، وهي بالتأكيد ضربة خطيرة لمستقبل هذا النظام. * استهدفت صواريخ إيران البالستية قاعدة عين الأسد العسكرية الأميركية في العراق.. ما السيناريوهات الغامضة التي من المتوقع أن تحدث في الفترة المقبلة؟ * لقد كان للهجمة الصاروخية للنظام على قاعدة عين الأسد العسكرية، تعقيد وحيد، كما يقولون على سبيل الفكاهة والدعابة، «إنها أرضت ترمب، وأرضت خامنئي وسليماني أيضاً». لقد اتبع نظام الملالي منذ تربعه علي عرش الحكم نظرية «النصر بالرعب» من أجل الحفاظ على بقائه، وكان القمع والإرهاب أداتي هذه النظرية؛ البرنامج النووي والصاروخي، والإرهاب، كل ذلك لخلق الرعب على المستوى الإقليمي والدولي من أجل تلبية مطالب النظام. وفي هذا الصدد، بعد إدراج قوات الحرس على قوائم الإرهاب، وإلغاء الإعفاءات النفطية، وصل خامنئي مع قاسم سليماني لهذه النتيجة، بأن النظام حوصر في نقطة الضعف مع العقوبات، وفي المقابل يجب أن يكون التركيز على نقطة ضعف المنطقة المتمثلة في الأمن والاستقرار، وبهذا الشكل من استعراض القوة لن تحدث الحرب، بل سنحصل على المزيد من الامتيازات. وبتطبيق هذه النظرية، هاجموا السفن، لعدم رؤيتهم لأي رد حاسم لفعلتهم، وخطوا للمرحلة التالية، وأسقطوا الطائرة المسيرة الأميركية، لأنه لم يتم الرد عليهم، فغدوا أكثر اطمئناناً بأن الحرب لن تحدث، ومع ذلك كله، أرسلوا الرسالة التي تقول بأنه إذا لم نصدر نفطنا، لن تصدر بقية الدول نفطها. ومع اهتزاز مكانتهم في العراق و لبنان، - حيث انتفض ضدهم الشيعة الذين كانوا يعتبرهم كل من خامنئي وسليماني دائماً بأنهم، قاعدتهما الاجتماعية -، هاجموا على نفس المنوال السفارة الأميركية في بغداد، على غرار السيطرة على السفارة الأميركية في طهران واحتجاز طاقمها العام 1979، لكنهم لم ينجحوا بذلك، مما اضطر قاسم سليماني للقدوم للعراق للمضي قدماً في هذا النهج، لكنه لاقى حتفه، خلافاً لما كان يتصوره مع خامنئي. وبهذا الرد الحاسم، فشلت نظرية «لا حرب ولا تفاوض» التي كان يتشدق بها خامنئي دائماً، وفي الجلسات العديدة التي عقدت في المجلس الأعلى للأمن القومي، كان جميع أعضاء هذا المجلس خائفين ومذعورين، وفي المحصلة حدث الهجوم الصاروخي الرمزي، الذي أظهر جبن وذعر وخوف النظام، بدلاً من التباهي بعظمته واستعراضه للقوة. لذلك، طالما أن هذا النظام يشعر بأن هناك ردا حاسما على جرائمه، فلن يتجرأ على ارتكاب أي فعلة مشينة. * بعد تصاعد التوتر بين طهران وواشنطن في أعقاب مصرع سليماني.. هل تتوقع أن تنشب بينهما حرب مباشرة؟ * خامنئي واقع في مأزق حاد، فانتفاضة شهر نوفمبر 2019، أظهرت مدى الكره والغضب الشعبي لنظام ولاية الفقيه، ووصلت الثقة الشعبية والاجتماعية تجاه النظام للصفر. وقدِّر عجز ميزانية العام القادم بين 150 إلى 200 ألف مليار تومان (يعادل 17.5 مليار دولار)، ومن ناحية أخرى، قام خميني الدجال ومن بعده خامنئي، تحت شعار حماية المستضعفين، بضم طبقات المجتمع المسحوقة تحت لواء قوات الباسيج كقوة قمعية مقاتلة تنفذ أوامره، لكن خلال هذه الانتفاضة، انتفضت هذه الطبقات ذاتها عليه (ما يسمى بثورة الجياع في إيران)، الأمر الذي شكل انهياراً شديداً ضمن صفوف قواته القمعية بعد الانتفاضة. من ناحية أخرى، تعتبر ولاية الفقيه بقاءها في بقاء القوى القمعية المتطرفة، وبغض النظر عن الشعارات التي نادت بها حتى الآن رداً على مصرع قاسم سليماني في الهجوم الصاروخي نفسه، سخرت منها قواتها التابعة لها، سواء القوات المتواجدة داخل إيران، أو وكلائها في الدول الأخرى. يرى خامنئي في الحرب المباشرة نهاية لنظامه، ومن جانب آخر، يعيش في رعب وخوف من اشتعال انتفاضة أخرى ليل نهار. وفي هذا الموقف الحرج، يحاول الولي الفقيه الضعيف والمهزوم فقط كسب الوقت في هذا الطريق المسدود للاستمرار في بقاء نظامه. * تولى إسماعيل قاآني قيادة فيلق القدس خلفاً لسليماني.. ما الذي لا نعرفه عن هذا الرجل؟ * ولد العميد الحرسي إسماعيل قاآني أكبر نجاد العام 1954 في مدينة بجنورد التابعة لمحافظة خراسان الشمالية، وبعد انتصار الثورة ضد الشاه وفي نهايات العام 1979، انضم لقوات الحرس، وشارك في قمع أهالي كردستان العام 1980، وخلال الحرب مع العراق كان آمر اللواء المدرع 21 الإمام رضا في نيشابور، وبعد انتهاء الحرب أصبح رئيساً لاستخبارات هيئة الأركان العامة في قوات الحرس، ومع تشكيل قوة القدس في العام 1990، أصبح قائداً للفيلق الرابع المسمى بقاعدة أنصار في قوة القدس (هذه القاعدة كانت تتابع العمليات الإرهابية في أفغانستان وباكستان والنقاط الأخرى)، ولسنوات تولى قاآني منصب نائب قاسم سليماني في قوة القدس. لكن لا بديل لقاسم سليماني، سواء في داخل قادة قوة القدس، أو في قادة الميليشيات التابعة لقوة القدس في العراق، ولبنان، وسورية، واليمن.. ومشكلة خامنئي في تقديم قاآني كقائد لقوة القدس كانت في عدم تقبل قادته وقواته له، ولهذا صرح خامنئي في هذا الخصوص بأن يتعاونوا مع قاآني ويطيعوا أوامره. * يوماً تلو الآخر يزداد الوضع التهاباً في الداخل الإيراني.. فما مستقبل الواقع السياسي في ظل الظروف الحالية؟ * نظام ولاية الفقيه واقع في الثقب الأسود للسقوط بكل الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية؛ لأن قاسم سليماني كان في الواقع خليفة حقيقيا والشخص رقم 2 للنظام، ولا يمكن لأحد أن يملأ مكانه. لقد كان تصدير الإرهاب والتخلف والرجعية درع حماية وضامن بقاء لولاية الفقيه منذ البداية. لكن الانتفاضة في العراقولبنان ضد تدخلات النظام هزت العمق الاستراتيجي ودرع حماية نظام ولاية الفقيه (الأمر الذي وصفه خامنئي مرارًا بأنه رمز لقوته في خطاباته). لقد صور البؤس الاقتصادي، والكره الاجتماعي، والانهيار الشديد لقوات النظام القمعية في كل أجهزة النظام، وانتفاضة نوفمبر التي اشتعلت في 31 محافظة و190 مدينة، سقوط ولاية الفقيه أمام أعينها، وفي الوقت الحالي أن جميع هذه القوات خائفون كل يوم من اشتعال انتفاضة أكبر. إن الانقسامات الداخلية والخلافات على جميع مستويات النظام التي حدثت حول إسقاط الطائرة الأوكرانية كانت مثالاً على عدم وجود أي تنسيق حتى في إطلاق الأكاذيب بين خامنئي وروحاني خاصةً، في حين أنه بعد ثبوت هذه الجريمة؛ حاول كل من خامنئي وروحاني تغطية أكاذيبهما بأكاذيب أخرى، ليقولا بأن لا علم لديهما عن الحادثة حتى 10 يناير، في الوقت الذي أعلن فيه العميد الحرسي أمير علي حاجي زاده قائد القوة الجيوفضائية بأنه كان على علم منذ اللحظة الأولى، وأنه نقل الخبر وهو يقود سيارته في نفس اللحظة (أي أنه قدم تقريره لعلي خامنئي القائد العام للقوات المسلحة). إن هذا الأمر يعتبر فضيحة كبرى للخلافات الداخلية في جميع أجهزة النظام. لذلك، سقط هذا النظام في الثقب الأسود الذي سيؤدي به للسقوط، وسيسعى هذا النظام بكل جهده للحؤول دون ذلك، لكن أي عمل سيقوم به لن يقربه إلا نحو السقوط أكثر فأكثر، والشعب والمقاومة الإيرانية سيلقيانه قريباً إلى مزبلة التاريخ. السيد هادي روشن روان