عملت مرة مستشاراً إعلامياً لإحدى الوسائل الإعلامية، وأنيط بي كثير من التكاليف الاستشارية، ومراجعة بعض الأمور داخل الوسيلة.. كنت محملاً بكثير الرؤى، والأفكار.. وبالطبع كنت موجوداً في الوسيلة، ومتابعاً لما كلفت به لإضافة الرأي والمشورة، وكنت أرى الكثير من الزملاء، والتقي بهم، وأتحدث معهم في شتى أمور العمل.. مع الوقت لاحظت أن الزملاء يتشكلون يومياً كمجموعات "شللية" في أماكن متفرقة.. وصرت اتنقل من شلة إلى شلة محاولاً التعارف والجلوس معهم، والحوار في قضايا العمل، كنت متصالحاً مع الجميع بلا انتماء، وهذا لم يعجب بعض الشلل، فالميل إلى شلة كان حاضراً مما جعل بعضهم يرفض وجودي بينهم بطرائق مختلفة.. كانت كل "شلة" لديها أفكار، ورؤى، ومشكلات وهموم، وانتقادات مختلفة عن الغير، بل تجاوز الأمر لإلقاء النقد والخطأ على أداء وأعمال الشلل الأخرى، أدركت حينها أنني لا أواجه مشكلات في العمل بقدر ما أواجه مشكلات ومطالبات شخصية كثيرة منها خارج العمل.. وكانت أمنياتهم وأحلامهم ومقترحاتهم لاترتبط إلا بما يريدونه من العمل لا ما يريده العمل منهم.. المؤلم أن العمل تعطل، والإنجاز توقف، والأداء المهني تواضع بسبب مناكفات "الشلل"، والمزعج أن اللغو واللغط والجدل كان باطناً، ولم يكن ظاهراً فالكثير كان يبطن ما لا يظهر إلا إلى مجموعته فخسر العمل بسبب هذه الانكفاءات الشللية التي ركزت انتصاراً للذات وليس انتصاراً للعمل والتكليف.. فتيقنت أنني أواجه تراكماً كبيراً متجذراً في التحزب، والتقاء المصالح المشتركة، وانتشار داء التنافس بين أطراف عمل لوسيلة ينتظر منها الكثير.. تحولت اتجاهاتي الاستشارية، وميولي لتقديم الرؤى حول العمل ومحاولة الإضافة إلى التفكير في علاج داء "الشللية" وهذا يعني انصرافي عن ماكلفت به من أمور يجب إعدادها.. الشيء الوحيد الذي لم ادركه أن إصلاح الأمر يعني عند أولئك هو تحيز لفئة أخرى وبذلك تم رفض محاولاتي، ودفن مقترحاتي، فاجتهدوا بالعبث في رأس المسؤول الذي كان يعرف حجم الشللية التي أنشبت أظفارها في العمل لكنه لا يستطيغ فعل شيء. بالكاد تخلو جهة من "اللوبيات" التي تحارب التغيير، أو تعطل نمو المؤسسة، وتحجب المصالح عمن يستحقها، وتتفرد بتسيير المنافع لذاتها أو لمن ينتمي إليها سواء داخل الجهة أو حتى خارجها عبر بناء علاقات قاسرة جاسرة. ويبقى قولي: الشللية آفة العمل، وعتبة الفساد، وأداة تعطيل المصالح وضياع الفرص من مستحقيها، "الشللية" تغذية للتفرقة، وتكريس للمحاباة، وتعزيز للتشرذم في محيط العمل.. لذلك حتى وإن وجد مسؤول سوف يعاني من التلبك الإداري بسبب تراكمية الفكر الشللي إلا أن تكون عصا النظام، ومسطرة التنظيم، وسطوة النفوذ هي السائدة لكي تبدد أحلام المتشللين..