قبل أربعة عقود وتزيد قليلاً كان التعامل بين الناس في منتهي الاحترام والتواضع والمصداقية والشفافية، كان التعامل مبني على النيات الحسنة والعطف والإحسان. كان زمناً جميلاً يعبر عن الحياة التي تحُفها رائحة الحب الحقيقي والتعايش الأخوي، كان زمناً يصبح ويمسي الإنسان على قلوب متآلفة ونيات حسنة، الزمن لا يتغير فهو معروف والمعروف لا يُعرّف، الزمن يكشف معادن الناس والمعادن منها الرخيص والنفيس. أقتبس من شعر الإمام الشافعي: (نعيبُ زَمانَنا وَالعَيبُ فينا... وَما لِزَمانِنا عَيبٌ سِوانا) الواقع لا يتغيّر نحن من يتغير أو بعضنا وبعضنا الكثير يتغيرون، ذلك الزمان كان قائما على الاحترام، وهو بيت القصيد، وما حياة الإنسان من دون الاحترام، إنها أرض خصبة بلا ماء، وهل يعيش الإنسان والأرض بلا ماء. هذا الجيل، جيل وسائل التواصل الاجتماعي وشخصيا أسميها وسائل التباعد الاجتماعي غيّر مفهوم الاحترام، الكثير تجاهل الاحترام ابتدأ مع ذاته فكيف مع الآخرين، تجاهل احترام والديه حين يجالسهم ويتحدث معهم ويراسلهم، تجاهل الاطمئنان عليهم وسؤالهم عن قضاء حاجاتهم. تجاهل السلوك الحسن مع المرأة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنما النساء شقائق الرجال ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم». الاحترام الذي ينشده جميع البشر دون تميّز بينهم. فالاحترام هو من أهم القيم الإنسانية التي تتغنى بها الشعوب وهي دليل على الرقي والحضارة. عن ابن عمر- رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مِنْ مَقْعَدِهِ، ثُمَّ يَجْلِسُ فِيهِ وَلَكِنْ تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا). كم هو مؤسف أن نرى سلوك الاحترام بدأ يتبخر في كثيرٍ من الأحيان وفي كافة طبقات المجتمع، بدأنا نسمع عبارات لها صلة وثيقة بعدم الاحترام ومنها (لا تِكّذب عليّ) و(سلّكله) و(يستهبل) و(دقه ركبه) والمزيد من عبارات جيل التواصل الاجتماعي. هذا التوجه أصبح واقعاً، وهل نستطيع تغير الواقع بعد أن وقع. خوفي أن يزداد سلوك عدم الاحترام ويتنوع مع تنوّع نفسيات الناس وابتعادهم عن المحور الرئيس ألا وهو الإسلام، عن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: «ليس منّا مَن لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا". أحقا نستطيع تغيير الواقع «واقع عدم الاحترام»؟، نعم نستطيع، وبشائره بدأت مع تطبيق احترام الذوق العام الذي سينعكس على السلوك داخل البيت والمدرسة والجامعة ومكان العمل، وحيث يتواجد الإنسان، هذه التصرفات جزء من عدم احترام الآخر. وقبل هذا احترام الإنسان لنفسه، وحين يحترم الإنسان نفسه سيجدها تحترم الآخرين. أقتبس: (من أشكال احترام الذات أن تبتعد عن أي شخص لا يقدر قيمتك.. «مصطفى محمود»).