لقد استطاعت إيران تحقيق هدف التعادل في مباراتها الحاسمة مع أميركا، وغمرتها الفرحة عندما تعادلت مع بطل العالم على حد ظنها، وارتبكت بشدة أثناء حفاظها على هدف التعادل، ما تسبب في تسجيلها هدفًا في نفسها في الوقت الضائع. الهدف الذي أسفر عن مقتل 176 فردًا من بينهم 83 إيرانيًا! هل انتقمت إيران من أميركا جراء اغتيالها أبرز القادة العسكريين لديها «قاسم سليماني»، أم أنها انتقمت من الإيرانيين أنفسهم بإسقاطها الطائرة الأوكرانية بوينع 737؟ المثير للسخرية أن الرأي العام الإيراني لم يحتسب هدف التعادل لإيران؛ لأن ضربتها الصاروخية لم تسفر عن قتلى، وبإمعانه النظر في الأحداث وجد أن النظام الإيراني أصر على ألا تُسفر ضربته عن خسائر بشرية خوفًا من بطش الأميركان، وبالتالي نتيجة المباراة أصبحت هدفين لأميركا مقابل لا شيء لإيران. بصرف النظر عن هذا التشبيه الساخر للتوتر القائم بين الولاياتالمتحدة الأميركية وإيران، الذي تصاعد بشكل ملحوظ خلال الفترة الأخيرة، لقد ارتكب النظام الإيراني خطأ فادحًا يتعارض مع جميع المقررات الدولية بإسقاطه الطائرة المدنية التي راح ضحيتها عشرات الأبرياء. لقد أكدت إيران أن الدفاع الجوي استهدف بالخطأ طائرة الركاب الأوكرانية بعد سويعات من الهجمة الصاروخية التي شنتها على القاعدة الجوية الأميركية في العراق، وجاء هذا الاعتراف بعد ثلاثة أيام من التكتم وإنكار أن منظومة الحرس الثوري الدفاعية هي من أسقط الطائرة في أجواء طهران، وأصدرت هيئة أركان القوات المسلحة بيانًا أكدت فيه أن سقوط هذه الطائرة كان نتيجة «خطأ بشري غير متعمد» صدر من قوات الحرس الثوري. خطأ بشري أودى بحياة 176 شخصًا أوجب اعتذار قائد القوات الجو فضائية «على حاجي زاده» والمسؤول عن هذه الواقعة، ولكن عندما نمعن النظر في تصريحات هذا المسؤول العسكري المُعتذر، التي أوضح فيها أن منظومة الدفاع الجوي شخصت الطائرة على أنها صاروخ كروز؛ وذلك لأن النظام الإيراني كان يتوقع رد فعل عسكري من قبل الولاياتالمتحدة. يتبادر إلى أذهاننا سؤال مهم؛ لماذا فتحت إيران أجواءها للطائرات المدنية في ظل أن الأوضاع كانت بمنزلة حالة عسكرية قصوى، أو بمعنى أوضح الدولة كانت في حالة حرب؟ وفتح الأجواء للرحلات الجوية المدنية في تلك الحالات ربما يعرض أرواح المسافرين لمخاطر لا حصر لها، في حين أن فتح المجال الجوي الإيراني أمام الطائرات المدنية يتعارض مع تعهدات إيران الدولية في ضمان ورعاية سلامة المسافرين المدنيين. ربما أقرب احتمال لعدم إعلان إيران غلق أجوائها أمام الرحلات الجوية المدنية هو عدم رغبتها في إيضاح استعدادها لأميركا وتوقع رد عسكري وربما لم تغلق الأجواء لتحتمي بالرحلات الجوية المدنية، ولذلك إسقاط الطائرة الأوكرانية سواء كان بالخطأ أو عن عمد، مخالفة دولية جديدة من إيران وانتهاك واضح يتعارض مع تعهداتها الدولية في ضمان ورعاية سلامة المسافرين المدنيين والحفاظ على أرواحهم بما يخدم أهدافها السياسية. * باحث في الشؤون الإيرانية