منذ أن انتهت الحرب العراقية الإيرانية (1980- 1988م)، وطهران تسعى في منهجيتها العسكرية إلى إبعاد حدودها عن صراعاتها العسكرية لتتجه نحو حرب الوكالات عبر مرتزقتها المبعثرين في العواصم العربية المحتلة، ويبدو أن العراق هذه المرة هي أرض المعركة وتصفية الحسابات بين طهران وبين واشنطن، كما أن هيمنة فصائل الحشد الشعبي الموالية لطهران على المشهد السياسي والأمني في العراق قد تحوله إلى ساحة مواجهة ومباشرة لا خاسر فيها سوى الشعب العراقي وحده!. لا شك أن استهداف جنرال عسكري إيراني بقامة قاسم سليماني هو ضربة مؤلمة وعنيفة في هيكل الدولة الخمينية، ولهذا سيرفع الملالي قميص سليماني كتبرير لكل العمليات الإرهابية القادمة، لكن الاحتمال الأهم سيتجلى صراعه السياسي والعسكري داخل الأراضي العراقية كونها القاسم المشترك الأكبر بين الطرفين، ولهذا سارعت الخارجية العراقية في بيانها الرسمي إلى اعتراضها على الهجوم الصاروخي الإيراني على القواعد الأميركية في قاعدة عين الأسد، بل ودعت طرفي النزاع إلى التهدئة والعمل على تخفيض التوتر بالمنطقة، وعدم جعل العراق والعراقيين ساحة حرب بين واشنطن وبين طهران!. ترقب العالم ردة الفعل الإيرانية تجاه مقتل سليماني والتي شرعت بعد انتهاء مراسم التأبين مباشرة في شن هجوم صاروخي على قاعدة عين الأسد الأميركية والتي تعد ثاني أكبر قاعدة جوية للولايات المتحدة في العراق، حيث تقع في محافظة الأنبار الغربية، وكانت تسمى قبل ذلك بقاعدة القادسية إبان الحرب العراقية الإيرانية، وتتسع لما يقارب خمسة آلاف جندي، وبعد إعلان طهران عن الضربة العسكرية، قلل الجانب الأميركي من أهمية الضربة الإيرانية كونها تسببت بقليل من الخسائر المادية وتلف في بعض المعدات العسكرية ولم تسبب أي خسائر بشرية!. التصعيد الإيراني الأخير قوبل باستهجان دولي كون طهران وكعادتها لا تستجيب لنداء العقل، وتسعى إلى تصعيد الموقف في منطقة ملتهبة بسعار الحروب والصراعات ولا تحتمل المزيد، فمرشد الجمهورية الإيرانية خامئني اعتبر أن الرد الصاروخي على القواعد الأميركية غير كافٍ، وأن العراق لن يكون مكاناً آمناً للقوات الأميركية، وهذا التصعيد يعبّر عن لغة صريحة في تحويل العراق إلى ساحة لتصفية حساباتهم مع واشنطن، ولهذا سارع الاتحاد الأوروبي وكثير من حكومات العالم تجاه دعوة الأطراف المتنازعة إلى ضبط النفس وتجنيب العراق صراعاتهم البينية. وأخيراً، سعت المملكة العربية السعودية وانطلاقاً من موقفها العروبي والإسلامي إلى الوقوف مع الشعب العراقي الشقيق، وكما أكد نائب وزير الدفاع صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سلمان، أن المملكة وقيادتها ستبذل كل ما في وسعها من أجل تجنيب العراق والعراقيين خطر الحرب والصراع بين أطراف خارجية داخل أرضه، ليحيا شعبه الكريم في أمن ورخاء.