لم يكن مفاجئاً لدى كثيرين محاولات الالتفاف الإيراني بشأن البرنامج النووي، والطموح الذي اتسع بعد ثورة الخميني عام 1979 للوصول إلى التكنولوجيا النووية، وكانت إيران تحاول إخفاء الحقيقية رغم التقارير التي كشفتها وكالات الاستخبارات الدولية والوكالة الدولية للطاقة الذرية عن عمليات تخصيب اليورانيوم. وفي تطور جديد، أعلنت إيران أنها لم تعد ملزمة بآخر قيود «عملياتية» في الاتفاق النووي التي تشمل مستوى تخصيب اليورانيوم ونسبة التخصيب وحجم المواد المخصبة والأبحاث والتنمية، وذلك بموجب اتخاذها الخطوة الخامسة والأخيرة في تقليص التزامها بالاتفاق. وتعني الخطوة الخامسة من تقليص الالتزامات بالاتفاق النووي، تخلي إيران عن آخر مورد أساسي من القيود العملياتية في الاتفاق النووي، أي القيود المرتبطة بعدد أجهزة الطرد المركزي التي تستخدمها لتخصيب اليورانيوم، وهو ما يعني أنه لن تكون هناك قيود على قدرتها على التخصيب أو أنشطتها في مجالي الأبحاث والتطوير. وقالت الحكومة الإيرانية إن طهران «ستمضي قدمًا في برنامجها النووي من الآن فصاعدًا بناءً على احتياجاتها التقنية»، وستواصل التخصيب النووي الذي تقوم به دون حدود وعلى أساس احتياجاتها التقنية، مشيرة إلى أن خطواتها يمكن التراجع عنها والعودة إلى الالتزام بالاتفاق النووي الموقع مع الدول الكبرى في مارس 2015، إذا رفعت واشنطن العقوبات المفروضة عليها، ورفع الحظر وانتفاع إيران من فوائد الاتفاق. جدير بالذكر أنه في 6 نوفمبر من العام الماضي، أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني بدء الخطوات الفعلية لخفض التزامات بلاده ضمن الاتفاق النووي، وذلك بضخ الغاز لأكثر من 1000 جهاز طرد مركزي. ويأتي إعلان إيران وسط أجواء متوترة في المنطقة، بعد مقتل قائد فيلق القدس التابع لقوات الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في غارة جوية أميركية استهدفت موكبه قرب مطار بغداد يوم الجمعة الماضي. وكانت فرنسا قد دعت طهران إلى الالتزام بالاتفاق النووي المهدد بالانهيار، وصرح وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان أنه ناقش المسألة مع نظيريه الصيني والألماني، على أمل تجنب التصعيد بين إيران والولايات المتحدة، وأشار إلى «اتفاق» مع الصين «على حض إيران على تجنب أي انتهاك جديد لاتفاق فيينا». وقال وزير الخارجية الفرنسي في تصريحات سابقة له: «ثمة انتهاك إيراني إضافي كل شهرين بحيث أننا نتساءل حالياً، وأقول ذلك بصراحة، حول العودة إلى آلية تسوية المنازعات التي ينص عليها الاتفاق.. نظراً إلى تتابع إجراءات السلطات الإيرانية، في انقطاع تدريجي مع خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي)، فإنّ المسألة تطرح نفسها». وتم التوصل إلى الاتفاق النووي بين إيران والدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن، وهي أميركا وبريطانيا وفرنساوالصين وروسيا إضافة إلى ألمانيا بهدف تخفيف العقوبات على طهران مقابل خفض نشاطاتها النووية، لكن الرئيس الأميركي دونالد ترمب انسحب من الاتفاق العام الماضي وأعاد فرض مزيد من العقوبات على إيران التي تخلت تدريجياً عن التزامات رئيسية بموجب الاتفاق بما في ذلك سقف مخزونات اليورانيوم ومستويات تخصيبه. وأعلنت طهران مؤخراً أنها ستقوم بخطوة جديدة في هذا السياق مطلع يناير، فيما يحاول الاتحاد الأوروبي، الذي ساعد في التوصل إلى الاتفاق، إلى إنقاذه رغم انسحاب واشنطن، إلا أن احتمالات حدوث ذلك أصبحت ضعيفة في ظل التوتر الشديد بين واشنطنوطهران.