قال محلل أسواق النفط الدكتور محمد الشطي لا تزال التوترات الجيوسياسية في مناطق الإنتاج تدعم حالة القلق حول الإمدادات في السوق النفطية لذلك فإن أسعار النفط تبقى قوية فكل تهديد لحركة الملاحة والتجارة والنقل للنفط من مختلف الممرات ومن بينها مضيق هرمز في الخليج العربي يدعم الأسعار، فالخليج العربي يمر منه قرابة 20 % من احتياجات العالم النفطية إلى جانب الغاز الطبيعي، كما يأتي مقتل قاسم سليماني في غارة جوية أميركية قرب مطار بغداد ليدعم أسعار النفط ويعزز تصاعد المخاوف حول مسار اتجاه الأحداث خصوصاً في ظل التهديدات الإيرانية برد عسكري ما يعزز التوترات حول سلامة الملاحة في مضيق هرمز وهو ممر حيوي استراتيجي لصادرات الطاقة إلى مختلف الأسواق في العالم، وكذلك كان الحال بالنسبة لاستهداف منشآت نفطية سعودية وما نجم عنها من تعطيل لجزء من الإنتاج في حينه وأسهم في رفع الأسعار وقد ارتفعت أسعار النفط بأكثر من 14 % في سبتمبر 2019 بعد أن أدت هجمات على منشأتين لشركة أرامكو السعودية إلى تعطيل 5 % من إمدادات النفط العالمية اليومية، المخاوف الحالية بالأسواق النفطية تتمثل في أن قد يحفز مقتل سليماني والذي جاء بغارة أميركية المخاوف من تصاعد حدة المواجهة بين الولاياتالمتحدةوإيران من احتمال رفع أسعار النفط بشكل أكبر بعد أن ارتفعت بشكل مبدئي في رد فعل أولي، حيث تسود أجواء من الترقب والخوف من أن يصبح العراق ساحة للصراع الدائر بين الولاياتالمتحدةوإيرانفالعراق هو ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة البلدان المصدرة للبترول ويصدر حوالي 3.4 ملايين برميل يومياً من الخام معظمها من ميناء البصرة في الجنوب، لذلك تبقى التطورات الجيوسياسية مهمة جداً خصوصاً أنها في مناطق الإنتاج التي لديها احتياطيات ضخمة ومستويات للإنتاج تضمن أمن الإمدادات وتعمل صمام أمان للأسواق، وهي دون شك تعزز أسعار النفط وهذه التطورات وجدناها في فنزويلا وليبيا نيجيرياوالعراق وأيضا إيران لارتباطها بتأثر الإنتاج الذي تحتاجه الأسواق. وتابع الدكتور الشطي بقوله في هذا السياق يمكن تصور أساسيات السوق كما يوضحها تقرير سكرتارية الأوبك لشهر ديسمبر 2019 الذي ذكر أن معدل الطلب العالمي لعام 2019 قد ارتفع بمقدار 1 مليون برميل يومياً بينما الإمدادات من خارج الأوبك شهدت ارتفاعاً بمقدار 1.9 مليون برميل يومياً وهو ما يعني انخفاضاً في إنتاج الأوبك بمقدار 900 ألف برميل يومياً لإحداث التوازن باعتبار استمرار اتفاق OPEC+ بخفض 1.2 مليون برميل يومياً وباعتبار أيضاً أن بعض مناطق الإنتاج ستظل تعاني بسبب ظروف جيوسياسية مثل فنزويلاوإيران كذلك استهداف الناقلات في الخليج ومنشآت نفطية في المملكة العربية السعودية، الأمر الذي يبرر استمرار تعافي الأسعار، وقد أسهم في ذلك استمرار سحوبات ملحوظة بأكثر من التوقعات في المخزون الأميركي لأسابيع عديدة كما أن توقعات سكرتارية الأوبك لشهر ديسمبر 2019 تصور ارتفاعاً في معدل الطلب العالمي على النفط خلال عام 2020 مقارنة مع عام 2019 عند 1.1 مليون برميل يوميا ليعكس تعافياً في مؤشرات الاقتصاد العالمي وسط انفراجات في المفاوضات التجارية الأميركية الصينية علاوة على مؤشرات اقتصادية في أميركا وأوروبا والصين، بينما الإمدادات من خارج الأوبك ترتفع بمقدار 2.2 مليون برميل يومياً وهو ما يشير إلى ضرورة خفض إنتاج الأوبك بمقدار 1.1 مليون برميل يومياً كما أنه قد يكون متحققاً باعتبار تعميق اتفاق OPEC+ لتطبيق خفض إضافي بمقدار 500 ألف برميل يومياً وتأكيد السعودية خفضاً إضافياً آخر بمقدار 400 ألف برميل يومياً، إذا ما التزمت الدول بحصصها المقررة في الاتفاق وهو المتوقع ومع استمرار تأثر الإنتاج في عدد من البلدان بسبب الظروف السياسية التي عززت المشاكل الفنية، كما أن هذه الأجواء يدعمها إقبال بيوت الاستثمار والمضاربة في تعزيز مراكزهم وشراء عقود النفط في الأسواق الآجلة الأمر الذي يعزز تغير الانطباعات في الأسواق وإعطاء صورة أكثر إيجابية ما يعني دعم المستويات الحالية للأسعار وأوضح الشطي أن التطورات الأخيرة قد أسهمت في إيجاد أجواء تصعيد بأهم منطقة في العالم فيما يخص إنتاج النفط والغاز الطبيعي مما رفع أسعار نفط خام الإشارة برنت بمقدار ثلاثة دولارات للبرميل الذي يوضح مخاوف السوق، لأن الانطباع العام أنه قد يعني مواجهة جديدة والخطورة هي على إمدادات النفط ومرشحة للارتفاع إذا ما حدثت، وعلى العموم تتسم أسواق النفط باختلال خلال النصف الأول من عام 2020 في ظل توقعات ارتفاع المعروض عن الطلب لذلك جاء قرار أوبك والمنتجين الآخرين بتعميق الخفض خلال الربع الأول من العام، لكن التطور الأخير في منطقة الخليج العربي يعني بلا شك تعزيز الأسعار نحو مستويات عالية ولكن ذلك مرتبط بشكل رئيس بتأثر وتهديد وانقطاع إمدادات النفط عن الأسواق العالمية، فهي غالباً لا تهتم بالتصريحات السياسية إلا أنها تراقب ما يتبعها ولكن المحصلة هي ما يحدث للإمدادات وسلامة النقل والحركة من الخليج العربي والممرات المائية إلى الأسواق، فأي تأثر مستمر يعني تعزيز مخاوف الأسواق وارتفاع الأسعار. وذكر أنه من الصعب التكهن بمستوى الأسعار لأنه يعتمد على حدوث الانقطاع في الإمدادات من عدمه ومدة الانقطاع وسرعة التعافي، ومن الممكن أن تتأرجح الأسعار ما بين 70 - 80 دولاراً للبرميل بسهولة لو حدث أي انقطاع أو استهداف لمناطق الإنتاج، لكن الأسواق ستتابع تطورات حماية حركة النقل ووصول النفط إلى الأسواق، وغالب الظن أن الاتجاه العام سيكون نحو تغليب جهود التهدئة من مختلف الدول في العالم المؤثرة؛ لأن أمن الطاقة واستقرار الأسواق يهم الجميع، وقد خرجت تصريحات من بعض المنتجين بضمان الإمدادات في الأسواق وعدم تأثرها وتصريحات أخرى تقترح إعطاء فرصة للجهود الدبلوماسية، لذلك فإن السيناريو المتوقع أن تكون أسعار نفط خام برنت بين 60 - 70 دولاراً للبرميل، بينما التصعيد ترتفع الأسعار معه إلى 70 - 80 دولاراً للبرميل، كما أن مستجدات وتطورات السوق متلاحقة وغير واضحة ما يؤكد ضرورة متابعتها لتحقيق توازن واستقرار الأسواق الذي يَصب في مصلحه الجميع ويساعد في استمرار الاستثمار بأنواعه ودعم الاقتصاد العالمي. وأضاف الشطي قائلاً يرى البعض بأن أجواء الانتخابات الأميركية ربما لا تسمح باتساع التصعيد وهو أيضاً يساعد في إبقاء الأسعار تتحرك ضمن نطاق محدود، لكن أي تأثر للإنتاج سيؤثر بلا شك ويفتح آفاقاً لارتفاع الأسعار، وإن كان هذا السيناريو مستبعداً لأنه ببساطة يضر الجميع ولعل التحركات الدولية تمثل أفضل الطرق للتعامل معها ويصاحبها تطمينات لأمن الطاقة في العالم، يساعد في ذلك كله وجود وفرة نفطية في السوق كذلك وجود مخزون نفطي في أميركا والصينوالهند واليابان وكوريا الجنوبية وغيرها من الدول المستهلكة، بالإضافة إلى وجود دول لديها قدرة للتعويض بشكل بسيط كذلك ضعف الاقتصاد العالمي والطلب على النفط، الدور الروسي في التواصل مع بعض الدول المستهلكة للنفط ومن بينها الهند لتأمين احتياجاتها من النفط أيضاً يدخل ضمن التطمينات المطلوبة، كما لابد من التأكيد أن غالب الصادرات من الخليج العربي يتم تصريفها إلى الأسواق الآسيوية وعليه فإنهم يعتبرون أكبر المتضررين، لذلك فالتحرك الدولي لأمن الطاقة مطلوب واستراتيجية حكيمة لسلامة وانتعاش اقتصاد وأمن المنطقة وشعوبها والاقتصاد الذي يعتمد على إمدادات الطاقة من الخليج العربي، كما أن استمرار السحوبات من المخزون النفطي الخام الأميركي يؤكد استمرار اتجاه السوق نحو التوازن مع تناقص المعروض واستمرار هيكلة الأسعار الباكورديشين وهو ما يعني قوة مستويات الأسعار حالياً مقابل المستقبل، وتظلّ الأجواء الإيجابية بين أميركا والصين حول تسهيل التجارة وإيقاف التصعيد داعمة لانطباعات السوق ببدء التحسن في الاقتصاد العالمي وانتهاء الأسوأ وبالتالي ينعكس على تعزيز مستويات الطلب، كما انعكس في استمرار ارتفاع واردات الصين من النفط الخام وارتفاع مبيعات النفط من الولاياتالمتحدة.