العراق أو بلاد ما بين النهرين أو «ميزوبوتاميا» هي تسميات مختلفة لمنطقة اعتُبرت أول مستوطنة بشرية منذ بدء الخلق، حين سجل العراق نفسه كمهد للحضارات القديمة والحاضنة الثانية لعاصمة الدولة الإسلامية منذ القرن الأول الهجري عندما اتخذ الخليفة الراشد عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه من الكوفة عاصمة الخلافة الجديدة بعد موقعة الجمل الشهيرة. كما أن العباسيين سيتخذون من بغداد عاصمتهم السياسية بعد الإطاحة بالحكم الأموي ليعرف العراق أوج التطور الحضاري والفلسفي وهو المعطى الذي بوأ بلاد الرافدين مكانة رمزية وحضارية كمركز للعلم والعلماء ومعقل المدارس الفلسفية والكلامية والفقهية. إن أهمية العراق وعمقه الحضاري وموقعه الجغرافي المميز جعله محط أطماع عديد من القوى الاستعمارية، وهو ما جعله يعاني من هجمات استعمارية متتالية ابتداءً من الغزو المغولي الهمجي ومروراً بالاستعمار العثماني ووصولاً إلى الاحتلال الإنجليزي قبل أن يتنفس العراق هواء الحرية سنة 1932م، ليعود إلى العيش تحت نير الاستعمار بعد إخضاعه قسراً لحكم ملالي إيران. الميليشيات الإرهابية الإيرانية قامت بقتل وذبح ما يفوق المليون ونصف المليون مواطن عراقي الرهان الاستراتيجي على العراق: منذ اكتشاف النفط سيتحول العراق إلى محط أطماع القوى الإقليمية والدولية، وهي الأهمية التي أضيفت إلى أهمية موقع بلاد الرافدين ك»قنطرة استراتيجية» تربط بين الخليج العربي وإيران والشرق العربي وآسيا الوسطى وتركيا، وهو بذلك يشكل مركز الدائرة التي يربط شعاعها بين الدول الإسلامية غير العربية ودول الخليج العربي بالإضافة إلى دول الشرق الأوسط. هذا الموقع، بما يشكله من حساسية جيوستراتيجية وحسابات سياسية، جعل من العراق هدفاً سياسياً ثابتاً في الاستراتيجية العليا لإيران، ومنطلقاً لتحقيق المشروع التوسعي الصفوي في المنطقة. ولعل التركيبة المذهبية المعقدة في العراق، مع وجود امتداد شيعي في جنوب البلاد، سيجعل منه هدفاً استراتيجياً «موضوعياً» للسياسة الخارجية الإيرانية، والتي تحاول فرض سياسة الأمر الواقع من خلال ادعاء خاطئ ومغلوط مفاده أن الشيعة هم أصحاب الحق الحصري في السيادة السياسية على العراق حسب تعبيرات بعض أبواق إيران وأذرعها الإعلامية. وإذا كان صدام حسين قد نجح في تأسيس جدار صد استراتيجي ضد الطموحات الصفوية، فإن بعض أخطائه (الكارثية) ستساهم في تغيير محددات البيئة الاستراتيجية في المنطقة وهو ما أعطى المبررات للتدخل الأميركي واستعمال واشنطن لأساليب «الخداع الاستراتيجي»، لإنهاء الحكم البعثي، لتساهم مجموعة من التوافقات في التمكين لأتباع الولي الفقيه من ناصية القرار السياسي العراقي. ومنذ الإطاحة بنظام البعث العراقي، رأت إيران في نفسها الوريث الشرعي للعراق وصاحبة الحق في ملء الفراغ المؤسساتي الذي أحدثه التدخل الأميركي على جميع الجوانب السياسية والعسكرية والاقتصادية وأيضاً الدينية، في ظل تبني صانع القرار الإيراني لعقيدة السيطرة والهيمنة والتوسع، خصوصاً على حساب بلد يمتلك جميع المقومات التي تجعل منه موقعاً جيوستراتيجياً يمكن استغلاله على مستويات متعددة. القوى الكبرى تيقنت أن الرهان على إيران كمحور جيوسياسي موثوق به هو رهان خاسر إخضاع العراق: منطق الحديد والنار إن نجاح طهران في التحكم في مفاصل الدولة العراقية وفرض وصايتها على سيادة العراق سيكون مقدمة لفرض سياسة ديكتاتورية ودموية عن طريق المليشيات الموالية لها والتي قطعت مع عقيدة الوطن والانتماء إلى النسيج المجتمعي العراقي لترتمي في أحضان مشروع الولي الفقيه في نسخته الإيرانية. هذا الاستيلاب الهوياتي لم تهدف من ورائه إيران خدمة شعب أو دين وإنما كان الغرض هو إدامة وضع اليد على مقدّرات الشعب العراقي خدمة للمشروع الفارسي في المنطقة دونما تسجيل أدنى مؤشرات تدل على تطور العراق في اتجاه القطع مع عقود من الحروب وعدم الاستقرار وفتح مشروعات التطور والازدهار والنماء. ويمكن القول بأن الولاياتالمتحدة الأميركية تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية، من خلال تسهيلها لعملية الاختراق المذهبي والسياسي والمؤسساتي لإيران، حين قامت بحل جميع مؤسسات الدولة العراقية، دون التوفر على بديل شعبي جاهز وقادر على ضمان السير العادي للمؤسسات الدستورية في العراق. هذا الفراغ تلقفته طهران بذكاء ودهاء وعملت، مع أتباع الداخل وعلى مراحل، على اختراق المنظومة الدينية والاجتماعية والمؤسساتية لتنجح في الاحتواء الكُلي للدولة العراقية. لقد نجحت إيران في تحويل العراق إلى حديقة خلفية للساسة الإيرانيين وقاعدة عسكرية سيتم استغلالها للانطلاق إلى باقي ساحات الصراع في الخليج العربي والشرق الأوسط، مع العمل والتنسيق لتحويل العراق إلى قاعدة خلفية للتيارات التي تدين بالولاء لمشروع الولي الفقيه. في هذا السياق، ركّزت إيران، خصوصاً بعد سنة 2003م، على التأثير في العملية السياسية العراقية من خلال تحكمها وتوجيهها للأحزاب الشيعية في العراق التي تدين بالولاء لإيران، رغم أن حوزة النجف كانت تعتبر دائماً أعلى مرجعية من حوزة قم، وتبعية هذه الأخيرة التاريخية للمراجع الدينية في العراق تبقى ثابتة ومعترف بها. وهنا نجد المرجع الشيعي البارز محمد حسين فضل الله (توفي بتاريخ 4 يوليو 2010) يقول نصاً: «حوزة النجف لا توازيها أي حوزة أخرى على الأقل في الوجدان الإسلامي الشيعي». جرائم إيران في العراق: رغم أن الساسة الإيرانيين يُنكرون أي دور مباشر لهم في العراق، إلا أن الشواهد على الأرض تقطع بأن نظام الملالي مارس جميع أنواع الإرهاب والتنكيل تجاه الشعب العراقي فيما يشبه حملة ممنهجة للانتقام من الذل وكأس المهانة الذي أذاقه العراق للنظام الإيراني في مناسبات متعددة لعل آخرها الحرب العراقيةالإيرانية والتي ولولا الدعم غير المباشر لإدارة ريغان بعد انفجار ما اصطلح عليه في الإعلام ب»فضيحة إيران كونترا»، لكان الوضع على الأرض غير ما هو عليه الآن. ولا تزال الذاكرة الجماعية للعراقيين تستحضر ما قامت به أجهزة القمع الإيرانية، آنذاك، عندما كانت تحتجز آلاف اللاجئين العراقيين في المعسكرات وتعاملهم معاملة دونية وتمنعهم من مجرد التعبير والحركة، وكيف أن الإدارة الإيرانية العنصرية أصدرت قانوناً يمنع اللاجئ العراقي من الزواج من نساء إيرانيات، ومنعه من العمل أيضاً. لقد تمادت إيران والميليشيات التابعة لها في العراق في نهج جميع أساليب الضغط والإرهاب للتمكين لأذرعها العسكرية في العراق، والذين استباحوا الدماء والأعراض ومارسوا أبشع أنواع الجرائم الوحشية في حق الشعب العراقي حتى أن بعض الفيالق العسكرية اعتبرت ذلك من صميم الالتزام الديني، وأن كثرة الهرج والقتل هو تنزيل حرفي وتطبيق لمعتقدهم القائل بضرورة كثرة القتل والاغتصاب والذبح والظلم كشروط ضرورية لعودة المهدي المزعوم، حتى أن بعض ملالي الشيعة أحل للميليشيات أخذ الحبوب المهلوسة قبل الانطلاق في القيام بأعمالهم الإرهابية التي تشيب لها النواصي والولدان. قتل وتهجير ومن خلال التقارير المحايدة التي تم نشرها واعتمادها من طرف المنظمات الدولية، فإن الميليشيات الإرهابية التي كانت تتحرك تحت لواء جيش المهدي وفيلق القدس ومنظمة بدر الإيرانية ومغاوير الداخلية قاموا بقتل وذبح ما يفوق المليون ونصف المليون مواطن عراقي سني، ومثل هذا العدد تم تهجيرهم ونفيهم في محاولة لتغيير الخارطة الديموغرافية في العراق، وكل ذلك تم بتخطيط إيراني وتنفيذ المرتزقة الذين كانوا يديرون هذه العمليات من وراء كواليس وزارة الداخلية وباقي المؤسسات الأمنية والتي كان يسهر على توجيهها شخصيات أمنية أغلبهم يحملون الجنسية الإيرانية أو بعض العراقيين الذين قدموا ولاءهم الطائفي على ولائهم الوطني. وتجدر الإشارة إلى أن تماهي بعض الشيعة مع الأطروحات السياسية والفقهية لملالي إيران لا يعني بالضرورة عدم وجود فئة كبيرة من الشيعة الشرفاء الذين اصطفوا إلى جانب شرفاء العراق لمقاومة جميع أشكال الاحتلال، وهو ما دفع بإيران إلى تحريك أصحاب الفتاوى تحت الطلب قصد إصدار فتاوى تمدح إيران وتحرم مقاومتها. ومن بين هذه الفتاوى المثيرة للجدل نجد فتوى «منسوبة» للمرحع الأعلى الشيعي في العراق علي السيستاني في جوابه على سؤال حول اعتبار الجهاد فرض عين ضد المحتل، حيث يقول: «لا وجود للجهاد في زمن الغيبة (غيبة الإمام المنتظر) والدفاع له مراتب لا يمكن تخطيها». هذه الفتوى وإن كان المقصود بها الوجود الاميركي، فإن بعض المراجع قاموا بتكييفها في عمومها وأفتوا بعدم جواز مقاومة الامتداد الإيراني في العراق. نفس منطق الفتاوى التي تم ترويجها إبان دخول القوات الأميركية إلى العراق تم استعماله لتبرير الأعمال الإرهابية لإيران في العراق، حيث أجمعت المراجع العراقية التي تسبح في فلك إيران على اعتبار أن الولي الفقيه هو نائب المهدي بالحق وأنه يمثل حقيقة الإسلام وأن كل ما يُوجه به علي خامنئي أو يأمر به يجب الامتثال له لأن في ذلك امتثال لدين الله. العراقيون فطنوا للمؤامرة وتيقنوا أن المخطط الإيراني ما هو إلا استمرار لأجندة فارسية تريد إخضاع العراق وحيث إن للتاريخ أحكامه ومنطقه، وما دام أن الحق أبلج والباطل لجلج، فإن العراقيين فطنوا للمؤامرة التي تحاك ضدهم، وتيقنوا بأن المخطط الإيراني ما هو إلا استمرار لأجندة فارسية تريد إخضاع العراق كأحد «الأهداف الحاسمة» في أفق تحقيق «الأهداف الموضوعية» (بتعبير المنظر الاستراتيجي أنطوان هنري دي جوميني) والتي تتلخص في إخضاع المنطقة العربية للعرق الفارسي تحت مصوغات فقهية وعقدية أثبتت عدميتها وبراءة نسبتها لأئمة آل البيت. على إثر ذلك قام الشعب العراقي قاطبة بإعلان الثورة على رجال الدين في العراق وأجمعوا على ضرورة طرد المستعمر الإيراني من وطنهم تحت شعار واحد ظل هو المظلة التي يستظل بها العراقيون وتلخصه العبارتان الشهيرتان «نريد وطن». هذه الثورة وهذا الشعار يلخص القناعة التي وصل إليها العراقيون بأن تنظيمات الإسلام السياسي، بشقيها الشيعي والسني، لا تعترف بمفهوم «الوطن» وأن وجودها واستمرارها وتطورها رهين بتحطيم الرابطة الوطنية وكسر الحدود والانتماءات تحت مبررات دينية تشرعن المشروعات التوسعية والهيمنية لهذه التنظيمات الشوفينية. إيران خططت لتغيير الخارطة الديمغرافية للعراق عبر النفي والتهجير في هذا الصدد، وفي الوقت الذي أكد فيه الرمز الإخواني سيد قطب بأن «الوطن مجرد حفنة من تراب عفن»، يقول حسن نصرالله زعيم حزب الله الإرهابي في شريط منشور له على موقع يوتوب «مشروعنا الذي لا نتبنى غيره، كوننا مؤمنين عقائديين، هو مشروع الدولة الإسلامية وحكم الإسلام، وأن يكون لبنان ليس جمهورية إسلامية واحدة، وإنما جزء من الجمهورية الإسلامية الكبرى التي يحكمها صاحب الزمان ونائبه بالحق الولي الفقيه الإمام الخميني». ختاماً يبدو أن الولاياتالمتحدةوالعراقيون فطنوا للمؤامرة التي تحاك ضدهم، وتيقنوا بأن المخطط الإيراني ما هو إلا استمرار لأجندة فارسية تريد إخضاع العراق، وباقي القوى الكبرى قد استفادت من الدرس العراقي وتيقنت بأن الرهان على إيران كمحور جيوسياسي موثوق به هو رهان خاسر، وبالتالي وجب إعادة النظر في التحالفات الجديدة في ظل بروز مجموعة من القوى الإقليمية والتجمعات العرقية التي يمكن أن تشكل بديلاً حقيقياً عن إيران، هذه الأخيرة أصبح تواجدها ليس عبئاً على المنطقة فحسب، بل على العالم أجمع، وهو المعطى الذي خلق حالة من الإجماع الدولي حول ضرورة تغيير هذا النظام في أقرب الآجال إذا ما أراد العالم القطع مع أحد أخطر التنظيمات الإرهابية التي شهدها التاريخ الحديث والقديم على السواء. آلاف العراقيين هاجروا قسراً بأوامر طهران تهجير العراقيين لتغيير التركيبة الديموغرافية للعراق محمد حسين فضل الله الرئيس ريغان.. عملية (إيران كونترا) حصلت في فترة رئاسته العراقيون انتفضوا ضد التدخلات الإيرانية