المجتمعات مثل أفرادها لها قلوب تجمعها وعواطف تحركها وشغف يملؤها بالأمل، وتجارب مؤلمة تخيفها وأخرى تحزنها. ومثلما نكبر وننضج ويمتد بنا العمر حتى نشيخ، تكبر المجتمعات وتنضج ومع أن دورة حياتها تطول وتزيد على دورة حياتنا لكنها لا بد وأن تصل لمرحلة تشيخ فيها قبل أن تموت ما لم تدب فيها الحياة من جديد بعد أن يوجد ما يجدد شبابها متى ما شاء الله لها ذلك! المجتمعات العربية والمسلمة وغير المسلمة على اختلاف عقائدها وعروقها وأجناسها تمر بمثل هذه المراحل لكنها تتباين فيما بينها في الفترات التي تقضيها في انتقالها من مرحلة لأخرى في نضجها أو فتوتها. ولو تساءلنا عن أحوال المجتمعات لرأينا لها تأثيراً قوياً ومباشراً على طبائع أفرادها، ومدى تفاعلهم مع المجتمعات الأخرى واندماجهم أو استقلاليتهم عنها. وإذا ما وصل المجتمع لتشبع عاطفي تجاه قضية أو حاجة ما فإن هذا التشبع قد يعود بالسوء على أفراده إلا إذا استطاع أن يعود لمرحلة التوازن في الأخذ والعطاء أو الزيادة والنقص. وكثرة العرض تصيب بالتخمة كما أن الفقد يسبب الجوع! ولو تساءلنا كسعوديين عن مجتمعنا حالياً في أوضاعه المختلفة التي مر بها والتي تدرج في بعضها ما بين قاعدة الوجود من العدم وتلك التي تحول فيها مباشرة إلى النقيض لوجدنا أن المجتمع قد يواجه تداعيات لها مآخذ أخرى قد تؤثر على بنية المجتمع وقد لا تؤثر إذا ما توفرت لها مرجحات تعيد التوازن ما بين الكثرة والنقص. فالإشباع في جانب له جوانبه السلبية التي قد تفقد كثرته حلاوة انتظاره أو التطلع للوصول له. وعندما تتوازن الأمور في المجتمع تستقيم صحته ويصبح عمره الفتي أطول ما يمكن. أخشى أننا مع كثرة العرض كمجتمع أن نضطر للجوء للصيام لنستعيد متعتنا وحبنا للأشياء التي نتطلع لها والتي قد نشتاق لها لكننا مع كثرة التكرار والعرض مللنا وجودها الصاخب. قليل من الهدوء مفيد دائماً بعد الصخب وكثرة التعود تفقد الأشياء والمشاعر والعواطف قيمتها ورونقها. فجمال الأشياء يكمن في حضورها وغيابها. والتخمة إحساسها سيئ وثقيل نسأل الله الصحة لمجتمعنا والاعتدال في كل شأننا بعيداً عن التخمة ومتاعبها.