بعد يوم طويل من الاستشارات مع الكتل النيابية، أعلن رئيس الحكومة اللبنانية المكلف حسان دياب السبت توجهه لتشكيل حكومة اختصاصيين ومستقلين مصغرة في أسرع وقت لإخراج البلاد من «العناية الفائقة» نتيجة الإنهيار الاقتصادي المتسارع. ولا يعني إطلاق مشاورات تشكيل الحكومة أن ولادتها ستكون عملية سهلة، إذ إنه رغم تأكيد دياب موافقة جميع الأطراف على طرحه، فان التباين لا يزال واضحاً بين أبرز القوى السياسية على شكل الحكومة المقبلة ومشاركتها فيها. ويطالب المتظاهرون في الشارع، والذين قال دياب إنه سيلتقي ممثلين لهم رغم رفضهم سابقاً التفاوض مع السلطة، بتشكيل حكومة اختصاصيين من خارج الطبقة السياسية بالكامل، والتي يتهمونها بالفساد ويحملونها مسؤولية الإنهيار الاقتصادي. ومنذ صباح السبت، التقى دياب في مقر البرلمان غالبية الكتل النيابية. وأعلن بعد الإنتهاء من الإستشارات: «لبنان في العناية الفائقة الوضع لا يحتمل الانتظار، نحن بحاجة إلى حكومة مستقلين حتماً واختصاصيين»، مؤكداً أنه سيصر على موقفه هذا. وأضاف «هدفي أن تتشكل حكومة مصغرة من حوالى 20 وزيراً» في أسرع وقت، آملاً ألا يستغرق تاليفها إلى أكثر من ستة أسابيع. وضمت الحكومة الأخيرة برئاسة سعد الحريري، قبل استقالته على وقع غضب الشارع في 17 أكتوبر، 30 وزيراً يمثلون أبرز القوى السياسية. وأكد دياب أن «كل الأطراف تتماشى معي في ما يخص حكومة مستقلين واختصاصيين». ويأتي تأكيد دياب وزير التربية الاسبق والأستاذ الجامعي، شكل الحكومة التي يرغب تشكيلها، بعد دعوة قوى سياسية رئيسية، إلى حكومة واسعة التمثيل السياسي. وكلف الرئيس اللبناني ميشال عون الخميس دياب بعدما نال تأييد نواب حزب الله وحلفائه، بينما حجب أبرز ممثلي الطائفة السنية التي ينتمي اليها، أصواتهم عنه، في مقدمهم كتلة «تيار المستقبل» بزعامة الحريري. وإثر لقائه دياب صباح السبت ضمن الاستشارات، أكد رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي يتزعم حركة أمل، «الإصرار على تمثيل كل الشرائح البرلمانية» بما فيها الأحزاب التي أعلنت عدم رغبتها المشاركة في الحكومة. من جهته، أبقى رئيس «التيار الوطني الحر»، الذي أسسه عون، جبران باسيل الباب مفتوحاً امام مشاركة حزبه في الحكومة، قائلاً إنه يفضل ألا تضم سياسيين «من الدرجة الأولى» وألا تستثني أي طرف. وفي الجهة المقابلة، أكدت كتلة «تيار المستقبل» عدم مشاركتها في الحكومة المقبلة. وقال النائب سمير الجسر متحدثاً باسمها أن الكتلة تمنت على دياب أن يشكل حكومة «اختصاصيين مستقلين». كما دعته إلى تشكيلها سريعاً «كونها ستكون حكومة مدعومة من لون واحد مثل ما كان التكليف مدعوماً من لون واحد». وبرز اسم حسان دياب فجأة الأربعاء بعد إعلان الحريري أنه لن يكون مرشحاً لتولي رئاسة الحكومة نتيجة الخلاف على شكل الحكومة وعدم حصوله على دعم الكتلتين المسيحيتين الأبرز في بلد يقوم نظامه على التوافق بين الطوائف كافة. ولن تكون مهمة دياب سهلة أيضاً على وقع تدهور اقتصادي متسارع. فهو يواجه من جهة حركة احتجاجات شعبية غير مسبوقة، ومن جهة ثانية المجتمع الدولي الذي يربط تقديمه دعماً مالياً لبنان بتشكيل حكومة إصلاحية. ولم يبد المتظاهرون الناقمون على الطبقة السياسية موقفاً جامعاً من تكليف دياب بعدما كانوا رفضوا خلال الأسابيع الماضية أسماء عدة جرى تداولها لرئاسة الحكومة، بينها الحريري. وأكد دياب منذ تكليفه أنه يدعم مطالب المتظاهرين الذين طالما رفضوا اختيار ممثلين لهم للتحاور مع السلطة. وبدا يوسف لحود، الذي يحاول أن يواظب على النزول إلى ساحات الاحتجاج في وسط بيروت، حذراً في مقاربته للتطورات الاخيرة. وقال إن دياب وزير سابق ما يعني أنه يتبع المنظومة السياسية نفسها التي كانت موجودة لكننا نتريث قليلاً لنرى ما ستكون عليه التشكيلة الحكومية والبيان الوزاري الصادر عنها، مضيفاً نحن لا نريد حكومة تكنو-سياسية او حكومة طرف واحد. وتأمل القوى السياسية أن يفتح تشكيل الحكومة الباب أمام تقديم المجتمع الدولي مساعدات ملحة يحتاج اليها لبنان لتفادي انهيار اقتصادي أكبر، في بلد يعيش ثلث سكانه تحت خط الفقر بحسب الاممالمتحدة ويشهد أزمة سيولة حادة وارتفاعاً في أسعار المواد الرئيسية.